التصنيفات
علم النفس

نصوص متفائلة: استخدام الكتابة لتأسيس مسارات جديدة للانتباه

اذا ما فكرت بأمر مخيف ستخاف، اذا ما فكرت بالطعام فسيسيل لعابك، اذا ما فكرت بالجنس فلا داعي لأقول لك ما الذي سيحدث.

بول جلبرت

مضى خمسون يوماً وأنا أكتب. كل يوم لعشرة دقائق على الأقل. لم تكن لدي خطة معينة. في أحد الأيام مللت من ذلك المطر الشديد الذي لا يمكنني التحكم به من الأفكار السلبية. أفكار سلبية حول نفسي، قيمتي المتدنية، المستقبل وما سيحدث لي، ما يظنه الآخرون، وغير ذلك. يا ليت تلك الأفكار منطقية. في كثير من الأحيان لا تنتمي تلك الأفكار للواقع وقد تكون مثيرة للضحك لو سمعها شخص يعرفني. لمن يقرأ هذا ولا يعرفني فأنا شخص متشائم. سابقاً وفي أكثر من مناسبة، أخبرني عدة اشخاص لا يعرفونني جيداً في العمل أنني أكثر شخص متشائم عرفوه. أنا أيضاً لست شخصاً مرحاً وفي بعض الأحيان أنا مكتئب. في فترات معينة كنت مكتئباً جداً.

ماذا عن الإيجابية في العالم؟ الجو الجميل أحياناً، الأشخاص اللطفاء والطيبة في العالم، وكل ما هو جيد مما حدث ويحدث لي؟ ام انتبه لذلك وكان من الصعب مواجهته بهذه الطريقة. قبل خمسين يوماً قررت كتابة عدة جمل وصفت فيها واقعي بإيجابية. كان لدي قلق شديد في ذلك اليوم حول المستقبل. يبدو القلق مثل قنوات التلفاز، لدي دوماً سبب ما. أحيانا يكون هناك ستوديو تحليلي لاخطائي الاجتماعية، وفي أحيان أخرى هناك فيلم رعب عن مستقبلي، وأحياناً هناك مذيع ساخر ينتقدني بشدة وبصوتي. في ذلك اليوم قررت أن أتقبل المستقبل المظلم الذي ينتظرني وأن أكتب عن الأشياء الإيجابية التي ستحدث فيه. كان خيالاً لا يختلف بشيء عن نظيره السلبي. شعرت بالارتياح بشدة في ذلك اليوم.

في اليوم التالي عدت لأكتب ولم أكتب كثيراً ولم أصل لعشرة دقائق حتى لكنني ارتحت ايضاً. قررت الكتابة عن اليوم. في اليوم الثالث قررت الكتابة عن الـ 24 ساعة الماضية وكتبت كثيراً وشعرت براحة أكبر. وصفت المكان الذي أجلس فيه والذكريات الجيدة التي لدي مع الأشياء في المكان. لطالما جمعنا الأشياء لكن كم نفكر في مجالستها والتفكير بمسيرتنا معها؟ في الأيام القادمة أصبحت ابحث بشكل تلقائي عن أشياء سأكتب عنها. كشخص متشائم جداً لم أجد ما يستحق التبجيل الإيجابي كثيراً فكان علي أن أبحث. كانت أمطار الأفكار تأتي باستمرار بين الحين والآخر لكنها بدأت تنخفض. الكوابيس جزء من حياتي، ليس أنها أمر يومي بالضرورة لكنها تحدث بشكل شبه اسبوعي. في بعض الأحيان تحدث يومياً. بعد عشرين يوماً كان آخر كابوس لي، مضى شهر دون كوابيس. حتى الأحلام السيئة لم تعد بذات الهلع.

كيف تكتب؟

  • اكتب كل يوم. لمرة واحدة ولعشرة دقائق على الأقل. لو شعرت أن بإمكانك الاسهاب فاستمر بالكتابة. لا تكتب لأكثر من مرة في اليوم الا لو شعرت بحاجة شديدة لذلك.
  • اكتب عن حقائق ولا تكذب على نفسك. لو كنت تكره المطر فلا تكتب أنك تحب المطر، بل لا تذكر المطر، أو اذكر أي شيء تراه ايجابياً فيه شرط أن يكون أمرا تعتقد به فعلاً.
  • اكتب بالورقة والقلم أو بالحاسوب. لكن من الأفضل أن تكتب بالورقة والقلم.
  • أكتب عن ذكرياتك الجيدة للـ 24 ساعة الماضية. شخص ما قال عنك أمراً جيداً، أنجزت شيئاً أظهرت فيه مهارة تستحق الثناء، أظهرت ذكاءا او حكمة او طيبة او استمتعت بشيء. تذكرت فضيلة أو امراً جيداً قمت به في الماضي وتأملته. اكتب عن ذلك كله. حاول أن تسهب وحتى أن تبالغ لو كانت تلك الصفة معاكسة تماماً لما تعتقده. يمكن أن تكتب اقل لو كنت ترى ذلك الأمر الإيجابي في نفسك.
  • اعد تأطير بعض الأمور السلبية بشكل إيجابي لو أمكن. مثلا لمن لا يحب المطر يمكن الكتابة عنه بأنه سيفرح الكثيرين أو سينفع الأرض والنبات. لو لم تجد شيئاً ايجابياً فلا حاجة لأن تكتب.
  • اكتب عن لحظات تواصلك مع الناس وخصوصاً اللحظات الجيدة التي تلمس فيها طيبة الناس أو يلمسون طيبتك، أو حين تضحك مع احد أو تخوض حواراً من القلب.
  • أكتب عن نفسك كشخص يستحق التقدير وينال التقدير. اجمع الحقائق حول ذلك من اليوم أو من الذكريات الأقدم لتكتب عن صفات جيدة تتحلى بها. قد لا يكون الجميع أقوياء أو أذكياء أو منتجين أو غير ذلك من الأنماط الشائعة لما يعرف بالنجاح، لكن كل شخص يستطيع أن يجد في نفسه الطيبة والتضحية والأخلاق الحسنة وحب الآخرين.
  • أكتب عن العالم بالشكل الذي يريحك. رأيت أشخاصاً لا يستطيعون مشاهدة الأخبار، وأشخاص لا يريدون التفكير بمحيطهم من الأشخاص السلبيين وآخرين لا يستطيعون مشاهدة الدماء. بالمثل فهناك من يحب أن يرى العالم مكاناً يسوده التضامن والمحبة ويستطيع جلب أمثلة على ذلك، وهناك من يحب أن يرى الضحك والفكاهة، ومن يحب أن يرى العالم مكاناً تستمر فيه الأمور بالمضي بنفس الشكل. اكتب عن العالم بالطريقة التي تحب أن تراه فيها. لا توجد حقيقة واحدة أو معنى واحد لهذا العالم فأنت لا تكذب على نفسك حين تكون متفائلاً أو متشائماً. يمكن اعطاء تصورات مختلفة للعالم وكلها تصيب.
  • أكتب عن نفسك لا عن الآخرين، ولو كتبت عن الآخرين فاكتب في نطاق تفاعلهم معك. من أحسنوا لك مثلا ومن ابتسموا ومن قدموا لك.
  • اكتب بعكس السرديات المكررة لديك. اكتب عن الأمن حين تسيطر عليك أفكار سلبية أو أحلام سمتها الخوف. أكتب عن عظمة ما تنجز حين تكون أفكارك السلبية تقلل من قدر انجازك. اكتب عن طيبتك حين ترى نفسك شريراً بأفكارك السلبية.
  • اكتب عن الأزمات لكن ركز على نهاياتها، لو أمكن. ألم تنته أي أزمات في حياتك؟ أكتب عن صلابتك وصمودك لو كنت قد صمدت في الماضي. أكتب وكأن الأزمة قد انتهت.
  • حاول أن تكتب بلغة جميلة. حاول أن تكتب كتابة ابداعية. حاول أن تسهب وأن تكتب التفاصيل.

لماذا الكتابة؟

حين تفكر فالفكرة قد تستمر في ذهنك بين أجزاء من الثانية الى عدة دقائق. حين تتكلم بصوت عال فستتحول الفكرة لتصاغ باللغة، وليس كل ما في الدماغ فيه لغة. الأطفال الرضع يهلعون ويصرخون دون أن يمتلكوا لغة لكن حالما يمتلكوا لغة يتغير ادراكهم. أيضاً حين تتكلم بصوت عال فستستمتع لما تقول فتتم معالجته من قبل شبكات أكثر في الدماغ ويأتي لذهنك وكأنه حديث خارجي. يرى بعض الفلاسفة ذلك أمراً أساسياً في الوعي. والوعي ليس سوى نسج لشبكات كثيرة. لماذا نقول ان لدينا وعي في حين أن الروبوت الذي لديه متحسس للحرارة ليس لديه وعي؟ لأنه ليس لديه نسيج معقد يشغل دوائر كهربائية كثيرة في نفس الوقت مع قدوم إحساس الحرارة مثلما يحدث معنا. حين تكتب فأنت تجعل شبكات أكثر من الدماغ تساهم في الفكرة، أكثر من الحديث بصوت عال مع ذاتك. سوف تضع الكلمات على الورق وتقرأها. بعض ما نعرفه عن الدماغ أن هناك شبكات أكثر فيه تعمل على تحويل النصوص الى صور. لهذا السبب فإن هناك في العالم قصص للرعب وقصص مضحكة وقصص مغامرات وقصص جنسية. ماذا لو كانت هناك قصة جيدة عنك؟

هل لاحظت المشهد المكرر في الأفلام والمسلسلات حين يقال شيء إيجابي عن شخص فيبكي أو حين يستمع الشخص من الآخرين الى أنه يعاني؟ حين يقول الآخرون أمراً فكأننا نرى أنفسنا في مشهد تمثيلي يضعوننا فيه. حين ينتقص منا شخص قد نصدم أو نتفاجئ ثم نغضب وقد نبكي أيضاً. لأننا نصدق الآخرين حين يدخلون محتوى لغوي الى عقولنا. لماذا لا نصنع محتوى لغوي عن ذاتنا اذن؟

لماذا نسمح لأنفسنا أن نكون ضحايا لقصف مستمر من العار والخجل والأخطاء التي ارتكبناها والعلل والمشاكل التي فينا طيلة الوقت وحتى في الأحلام دون أن يكون هناك تيار معاكس؟ ماذا فعلت لتواجه كل هذه القسوة الداخلية والتهديد؟ كل تلك الأفكار هي برامج لم تختر تنصيبها لنفسك بل نصبها آخرون لك، والديك، المعلمين والمعلمات في المدرسة، المتنمرون، المدراء السيئون. في كثير من الأحيان نترجم احداثاً محايدة كلياً كالجو الغائم او يوم معين في الشهر أو حدث فيه سوء حظ وكأنه أمر اكبر من حجمه الطبيعي، ماذا لو وسعنا الإيجابيات وصنعنا منها فيلما قصيراً يومياً. ليس هناك تيار مساند كما يبدو من عاداتنا اليومية وأفعالنا. حتى العلاقات كالزواج او الصداقة فهي كثيراً ما تأتي ببرامج التهديد التي يمتلكها الآخرون ويعملون بها. يقسون على أنفسهم ويهددون أنفسهم ليعملوا ويتحركوا في الحياة وبالنسبة لهم ذات الأمر يجب أن يطبق عليك.

ماذا سيحدث؟

حين تحتاج الى تذكر أشياء معينة حدثت لتكتبها، وكأنه واجب مدرسي، فستبدأ تلقائياً بالبحث عنها. قد تكون متشائماً عنيداً وترفض التخلي عن المسارات المظلمة التي سينتهي اليها كل شيء، لكن مع وجود لحظة تكون مجبراً فيها على رؤية جانب آخر (حقيقي وليس وهمي) من يومك، فستضطر للانتباه لذلك الجانب. حين بدأت لم اكن استطيع الكتابة كثيراً لكن لاحقاً بدأت الكتابات عندي بالتوسع وصار من الممكن أن أكتب لعشرين دقيقة وأكثر من ذلك. في بعض الأحيان صرت اتأمل الجمال في لحظة ما لا تحتوي على أي شيء مميز لكن فقط لكي تكون جزءاً من مادة الكتابة. في بعض الأحيان صرت أرصد بعض اللحظات واتأمل فيها ما يستحق الكتابة لكنني أنسى الكتابة عنها لأن لدي الكثير منها. حين يكون لدي الكثير من تلك اللحظات فتلك هي السعادة وهذا هو نظام التهدئة في الدماغ.

إعادة تأطير المصائب أو الأزمات أو نظرة الآخرين أو موقفك في حالات معينة أو طريقة سير العالم بشكل عام كلها مبررة بقدر ما أن السلبيات مبررة. العالم مكون من ذرات والحياة كلها ظاهرة مقعدة ناتجة من ذلك، أما وعينا وادراكنا للعالم فهو ظاهرة معقدة ناتجة من الحياة. وضع العالم بإطار سلبي هو خيار فقط. حتى لو كنت في سجن فهناك خيار لرؤية الأمر كشيء سينتهي والنظر للايجابيات في السجن أو للاستسلام لظلامه والظلم فيه. مثال التفاؤل في السجن حقيقي، رأيت أحد السجناء السوريين الذين قضوا عقوداً في سجن صيدنايا لكنه كان شديد التفاؤل ومبتسماً حين خرج.

قد يقول قائل أن الكتابة الإيجابية تتطلب احداثاً إيجابية، لكن في الواقع فهي وجهة نظر. يمكن لمن يمر بالمعاناة أن يعيد تذكر ما يجعله يشعر بشكل جيد، ويمكن للمتنعم بأفضل حياة أن يعيد تذكر احدى المآسي بشكل يومي وأن يبكي في كل مرة يتذكرها أو يعاني من الهم على الأقل. حكى لي شخص عن لحظات عانى فيها من الفقر الشديد وعانى من الجوع والحر والبرد. قال أن اسعد لحظات حياته حتى الآن كانت حين يستطيع جمع بعض المال ويشتري  لكاسيت أغاني من صنف الأغاني الذي يحب والاستماع له للمرة الأولى.

الهدف من هذه الممارسة ليس تحقيق أمر بذاته أو حالة بذاتها كالسعادة أو النجاح أو زيادة الذكاء أو الراحة. الهدف هو بخلق تيار جديد في الدماغ. تيار سيختلف من شخص لآخر بحسب الطريقة التي سيكتب فيها. يمكن تجاهل التعليمات أعلاه واختيار التركيز على كل ما هو أخضر في المشهد أو على كل شخص ذو صوت عالي أو على الساعة حين تكون برقم زوجي. ربما ستبدأ بملاحظة هذه الأمور أكثر. أي شخص يمتلك اتجاه أكثر راحة لرؤية العالم والاحساس به وادراكه والفكرة بسيطة جداً، حين تكتب بذلك الاتجاه فستجعله أقوى.

الجذور في البحث العلمي

كما سردت فأنا لم اؤسس هذه الطريقة سوى على مبادئ تعلمتها من بول جلبرت وأسستها على عادات للكتابة تعلمتها من العلاج المعرفي السلوكي. لكن هناك جذور لهذه الطريقة في مواضع أخرى في العلاج المعرفي السلوكي وعلم النفس الإيجابي والعلاج النفسي.

تتقاطع هذه الطريقة مع مذكرات الامتنان وهي طريقة تتضمن الكتابة بامتنان عما لدى الشخص، لكنها تختلف عنها بالتركيز على مديح الذات والخصال الشخصية والتوسع في ذلك لتعزيز الإحساس بالقيمة. تتقاطع هذه الطريقة ايضاً مع جميع ممارسات إعادة التأطير في العلاج المعرفي السلوكي لكنها تدعو للقيام بذلك بالكتابة بدلاً من قول الشيء أو التفكير به. والكتابة ذاتها واردة ضمن العلاج المعرفي السلوكي. كما تتقاطع مع الكثير مما قدمه مارتن سليجمان باستثناء أنه لم يقترح الكتابة بشكل رئيسي رغم وجود بعض الممارسات التي تتضمن الكتابة لديه.

ورد في الأدبيات النفسية أيضاً مفهوم الاستمتاع savoring  في دراسات عديدة[1] وهو تأمل لحظة معينة فيما يشبه عملية ترسيخها والوعي بكل ما فيها. ورد هذا أيضاً لدى بول جلبرت حيث وصف في كتابه العقل المتعاطف مرات عديدة ان نكون يقظين كلياً باللحظة وضرب امثلة بالاستمتاع واللحظات السعيدة في ذلك على النقيض من الفلسفة الغربية في الاستمتاع والتي يصفها بأنها موجهة لنظام المكافأة. يقول جلبرت متحدثاً عن الجنس من وجهة النظر التي يتأمل فيها المرء اللحظة[2]:

إن تعلم اليقظة الذهنية يعني أنك تتعلم أن تنتبه لإعطاء اللذة واستقبالها. ان تعيش اللحظة مع الأحاسيس لحظة تفجرها فتتوجه الى ادراك واختبار اللحظة بدلاً من ترقب النتيجة.

وما يحدث حين محاولة الكتابة عن لحظة بذاتها لأننا نعلم أن بانتظارنا وقت للكتابة فإننا قد نتعلم أن نعيش اللحظة بالشكل المنشود. خصوصاً حين نتعلم الكتابة بشكل ابداعي وهو ما أضعه شرطاً لتطبيق الطريقة. لا يمكن أن نكتب بشكل ابداعي عن جمال اشعة الشمس والظلال والخضرة في المشهد ومذاق الطعام ما لم نحاول ان نطبق ما يصفه بول جلبرت هنا.

وفيما قد يبدو الوعي مصطلح فلسفي معقد لكنه ووفق مفهوم دانييل دينيت ليس سوى نسيج من تفاعل ما نختبره من لحظات بكل ما فيها من تعقيد فيزيائي مع آلاف العناصر في ادمغتنا وأدوات التحسس لدينا. نحن واعون والروبوت ليس واعياً لأن لدينا عناصر عديدة في الدماغ تتفاعل مع الواقع في حين ان الروبوت يتفاعل بمتحسس واحد. ما تفعله هذه الطريقة هي توجيه التفاعل بيننا وبين العالم نحو طيف معين من التجارب. اذا كان سماع ما نقول قد وهبنا درجة معينة من الوعي فإن كتابة الأفكار يجعل التجربة أكثر عمقاً. تنتظم ضمن عملية الكتابة العديد من أجزاء الدماغ، وربما أكثر من أي عملية أخرى لتداول الأفكار. في الكتابة عن انفسنا قد تتغلب قوة السردية حتى على ما يقوله الآخرون عنا.

[1] Bryant, Fred B. “Current progress and future directions for theory and research on savoring.” Frontiers in psychology 12 (2021): 771698.

[2] Paul Gilbert – The Compassionate Mind

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *