بطريقة ما وصلت إلى بحث للغوي الكرواتي رانكو متاسوفيتش يتكلم عن التشابهات اللغوية بين الفرع الغربي من اللغات الأفروأسيوية واللغات الكلتية الجزيرية والتي يعنى بها ما يتواجد في بريطانيا وايرلندا وهي كل ما تبقى اليوم من اللغات الكلتية. وتمتاز هذه التشابهات بعدم وجودها ضمن أي لغات هندوأوروبية أخرى. البحث لغوي صرف يسرد مجموعة من التشابهات لكنه يدعو للتفكير بالدليل الجيني الذي لابد ان يكون أكثر قوة لو وجد الدليل اللغوي.
من الأدلة النحوي يذكر تطابق الايرلندية القديمة بوجود الترتيب فعل مفعول به فاعل VSO بما يتطابق مع اللغات الأمازيغية، ثم التشابه مع بعض تصاريف الأفعال من المصرية القديمة، كما أن هناك تطابقاً في حروف الجر التي تضاف الى الأسماء بشكل مشابه للمصرية القديمة أيضاً. كما أن هناك صيغة فعل مضاف مستمر في كل من الايرلندية القديمة والمصرية القديمة، أيضاً هناك تطابق في أحوال الفعل المجرد وفعل الربط اذا ما سبقت بأدوات لغوية معينة وتتطابق هذه الحالة مع المصرية القديمة.
يناقش البحث أيضاً مجموعة من التشابهات في طبيعة اللفظ بين عائلة اللغات الأطلسية (الأفريقية) واللغات الكلتية القديمة. وقضية أخرى حول ترتيب اسم الإشارة والاسم حيث تعاكس فيه اللغات الكلتية جميع اللغات الاوراسية وليس الهندواوروبية فقط ولا تلتقي فيه سوى مع الباسك وأيضاً مع العائلة الأطلسية بشمال غرب أفريقيا ومع لغات البربر حيث يأتي اسم الإشارة بعد الاسم. وماذا أيضاً؟ الباسك، ولغات عديدة من شمال غرب افريقيا من العائلة الأطلسية فضلاً عن اللغات الكلتية كلهم يستخدمون النظام العشريني (vigesimal counting) في طريقة ذكرهم للأرقام. وأخيراً، تلتقي اللغات الكلتية مع لغات اطلسية افريقية (لغتان من السنغال) في نمط أداة التعريف (رغم أن اللغات الكلتية تشبه الإنجليزية والفرنسية واللغات الرومانية في ذلك ايضاً).
أما على المستوى المعجمي، فقد تم عزو 1490 عنصر الى أصل كلتي ابتدائي، وبقي 85 دون أصل كلتي ابتدائي، لكن فقط كلمات قليلة من تلك لا يمكن عزوها الى أصل هندو-أوروبي. من بين هذه الكلمات هناك بضعة كلمات تلتقي مع نظيرات لها في لغة الباسك.
ما هو التفسير المحتمل؟ يرى الباحث وآخرون ممن يستشهد بهم أن وجود المشتركات مع اللغات الأفروآسيوية قد يكون دليلاً على الطبقة السابقة التي كانت موجودة قبل الشعوب الكلتية. كما يعرف بأن اللغات التي تجتاح إقليم ما تشكل طبقة ذات سمات اجتماعية وطابع من النفوذ، فيما تكون لغات القوم الذين تعرضوا للغزو هي لغة أدنى، وهذه اللغات تزول في العادة لكنها تترك آثاراً. طبعاً وجود مشتركات أفروآسيوية لا يعني بالضرورة وجود شعب ينتمي للشعوب الحالية في شمال افريقيا الى الجزر البريطانية وايرلندا، بل قد تكون هناك مجموعة من حقبة أقدم تمتلك مشتركات مع الشعوب التي تسكن في شمال أفريقيا اليوم وكانت تعيش ضمن نفس المنطقة اللغوية في حقبة أقدم (وربما منطقة أخرى قبل أن يهاجر الاثنان الى مكانين مختلفين الى شمال افريقيا والى أوروبا). كما لا يشترط أن جميع السكان كانوا من هذا الصنف بل قد تكون هناك مجموعة معينة من هؤلاء. أما التشابهات مع الباسكية ولغات المجموعة الأطلسية فيعزوها الباحث الى فرضية موجودة بوجود منطقة لغوية أوروبية-شمال افريقية قبل أن يجتاح الهندو-أوروبيون أوروبا وأولهم الكلت.
حتى هنا ينتهي البحث اللغوي، وأول دليل جيني يمكن التفكير به هو التركيبة الجينية لأقاليم مثل المغرب الحالي، السنغال، الجزائر والتركيبة الجينية لأبرز بلد كلتي وهو ايرلندا. في المغرب تطغى تنوعات متعددة من المجموعة الفردانية E على أغلب السكان، ولا تتعدى نسبة J الـ 26% في اقصى إحصاء قدمته احدى الدراسات. أما ايرلندا فالسواد الأعظم فيها لا يتقاطع مع أكبر مجموعتين في المغرب أيضاً حيث تطغى المجموعة الفردانية R1b والتي تشترك مع غرب أوروبا بشكل عام ومع شمالي اسباني بشكل خاص وهو ما قد يشرح العلاقة اللغوية مع الباسك.
ما يمكن أن يفسر هذه العلاقة ويخلق رابطاً بين الجينات وتلك الأدلة اللغوية هو النسبة النادرة من J-M12 و E-M78 التي هاجرت الى أوروبا في حقب تتراوح من منتصف العصر الجليدي 27 الف – 17 الف سنة من الان وحتى قبل 5900 سنة من الآن في هجرات من شمال أفريقيا الى أوروبا.
الآن لنطلق العنان للخيال، هل هناك خيوط ثقافية أيضاً مستمرة من ذلك القريب الأفرو-أسيوي الذي عاش في ايرلندا قبل مجيء الكلتيين؟ هل اسلوب النحيب على الموتى المشابه لما في الشرق الأوسط نابع من ذلك؟ هل تندرج التشابهات اللغوية بين العبرية والويلزية ضمن نفس القائمة؟
البحث اللغوي:
Matasović, Ranko. “The substratum in Insular Celtic.” Journal of Language Relationship 8.1 (2012): 153-160.
البحث حول هجرات J وE الى أوروبا:
Cruciani, Fulvio, et al. “Tracing past human male movements in northern/eastern Africa and western Eurasia: new clues from Y-chromosomal haplogroups E-M78 and J-M12.” Molecular biology and evolution 24.6 (2007): 1300-1311.