(English) الجانب الأكبر من مخطوطات أورخون يتحدث بلسان الخاقان أو على الأقل من منظور السلطة. في البداية يبدأ الكلام على لسان غل تيكين، ثم أخوه، ومن ثم الحكيم تونيوكوك. ويتخلل ذلك الكثير من الجمل المكررة التي تعكس طبيعة تفكير الحاكم أو ما يود الحاكم أن يعرفه الناس عنه أو كلاهما. وفيما لا يمكن التحقق من طبيعة تفكير الحاكم او سلوكه في الحقيقة في ذلك الحين، فإن من الممكن معرفة أن الحاكم يتكلم عما يظنه واجباً على الأقل وعما يظن أنه سيظهره بمظهر جيد.
الجوع والشبع
في طليعة الواجبات يرى الخاقان أن من واجبه نصرة الضعفاء وقلب أحوالهم يقول مثلاً في مقاطع متفرقة ومكررة: “عندما أصبحت خاقاناً، جمعت من ليس لهم حظ، جعلت الفقراء اغنياء، جعلت القلة كثرة” ويتكرر ذلك حول عم غل تيكين وأخوه: “جعل الفقير غنياً، جعل القليلين كثرة”. كما يتكرر ذكر الجوع والشبع بشكل صريح جداً دونما ذكر مفاهيم أعلى كالغنى والفقر فيقول داعياً قومه للبقاء ضمن جبال وغابة اوتيكان وهي موطن القوم: “يجب أن تحفظوا مملكتكم، الامة التركية، وبذلك ستبقون شبعين”. وفي موضع آخر يقول: “حين تجوع، فلن تتذكر ما هو الشبع، وحين تشبع فلن تكون لديك فكرة عما هو الجوع”. وفي كتابات الحكيم تونيوكوك يقول عن فترة حكم الخاقان ايلتيريش: “عشنا هناك، نغذي انفسنا على الطرائد الكبيرة والأرانب، وافواه القوم كانت شبعة”. ثم يصف بشكل مثير للاهتمام وبما يراه بديهياً كيف تتفكك أواصر الاسرة كظاهرة طبيعية من تحسن الأحوال: “الأخ الصغير لم يعرف شيئاً عن أخيه الأكبر، والابن لم يعرف شيئاً عن ابيه، هكذا كانت المملكة عظيمة ومهيمنة”.
يتكرر بكثرة ذكر ما قام به الخاقان لشعبه وبصيغ مختلفة تتشابه لكن قد تضاف لها عبارات جديدة فمثلاً في احدى المرات يقول: “جلبت الميتين مرة أخرى الى الحياة، للعرايا أعطيت ثيابا، الفقراء جعلتهم أغنياء، والقلة جعلتهم كثرة”.
الصلة مع السماء
ومثل الكثير من الملوك في العصور القديمة، حيث يتم إيجاد علاقة وطيدة بين السلالة الحاكمة والآلهة، فإن الخاقان يربط بين خلق الكون ونشوء مملكته. يقول: “حين خلقت السماء الزرقاء في الأعلى والأرض المظلمة في الأسفل [هنا يتكلم عن السماء حرفياً وليس عن Gokturk أي يقول في الترجمة الإنجليزية sky وليس heaven]، خلق بينهم بنو البشر. ومن بين بني البشر من نصب نفسه حاكماً من اسلافي الخاقان بومين والخاقان استامي، وبتنصيب انفسهم حكاماً فقد حكموا وأبقوا النظام في الشعوب التركية”.
وفي الوقت الذي لا يظهر النص السابق صلة وطيدة مع السماء، فإن الخاقان يجعل طاعته واجبة من قبل السماء ويتحدث باسم الاله الذي يخاطب الشعوب التركية: “اعطيتكم خان، لكنكم تخليتم عنه، ثم استسلمتم ثانية، [ينتهي كلام السماء] وكعقاب على الاستسلام فقد اهلكت السماء الترك أو أضعفتهم أو جعلتهم ينهارون”. تعطي السماء القوة للخاقان أيضاً، حيث يقول: “أعطت السماء والدي القوة وجعلت جيشه ذئاباً، وجعلت أعداءه خرافاً”. كما يعزو زواج والده الخاقان من أمه لبركة السماء أيضاً “لكن سماء الترك في الأعلى [غير واضح هل ذكر الاله بالاسم ام السماء أم هو نفس الشيء Gokturk] و Yer-sub [لم يوضح المترجم هذه العبارة، فهل هي الأرض yer مع ملحق معين اختصره بـ sub؟] المقدس للترك فعل ما يلي: حتى لا ينتهي الترك ولكي يصبحوا شعباً مرة أخرى، فقد ربى والدي الخاقان ايلتيريش ووالدتي ايلبيلغا خاتون، داعماً إياهم من أعالي السماء” وتعد مباركة السماء لذلك الزواج أمراً مهماً جداً تم تكراره بكثرة.
وربما هناك حياة أخرى بالنسبة لهم حيث يذهب الموتى الى السماء، هناك نص مقطع بعد وفاة الأمير غل تيكين يقول: “وأنت الآن ميت، [ثم هناك انقطاع] السماء كما [كنت قبل ذلك] بين الأحياء”. فهل هو ميت في السماء أم يحيى حياة أخرى؟
السماء أيضاً تعين الخاقان ولا تبارك تعيينه فحسب: “الحكيم التركي الشبيه بالالهة الخاقان بيلغه المعين من السماء”.
العلاقات مع الأمم الأخرى
ذكرنا سابقاً خارطة الشعوب التي يفهم ترك وادي اورخون وجودها في العالم، فهم بالكاد يعرفون التيبت والصين وطائفة من القبائل والتحالفات والشعوب التركية (التركية بمفهومنا المعاصر) والمغول فضلاً عن الصين التي تعد الأثرى والأكثر دهاءاً والأكثر قدرة بين الأمم، ويعرفون أيضاً الفرس والصغد. فيما عدا ذلك لم يذكر النقش أي شعوب أخرى. وحتى لو كان ذلك بسبب عدم وجود أي فعاليات مع الشعوب الأخرى كالمعارك أو التجارة، فعلى الأرجح لن تتجاوز معرفة الترك في وادي أورخون شعوب القارة الآسيوية وربما شيء عن الشعوب السلافية.
أما حول نظرتهم للعالم والشعوب الأخرى، فمن جهة يبدو أن واجب الخاقان هو جلب السلام، لكن الحالة السائدة هي العداء من أمم العالم الذي ولسبب ما يتألف من أربعة أقسام، وبالتالي يذكر أن الخاقان أخضع الأمم الأخرى وبشكل بسيط جداً وحرفي يشير الى لغة الجسد التي تدل على الخضوع فيقول بشكر مكرر: “حنوا رؤوسهم وثنوا ركبهم”. الحروب التي يقيمها الخاقان وجيشه نتيجتها في النهاية السلم: “لكنهم أعلنوا حروباً ضدهم وانتصروا على الأمم في أجزاء العالم الأربعة وجعلوهم يركنون الى السلم، يحنون رؤوسهم ويثنون ركبهم”. ويقول في موضع آخر: “كل الأمم في اقسام العالم الأربعة جعلتهم يركنون الى السلم وينهون الاعتداءات”.
يتباهى الخاقان والأمير أيضاً بعطايا الأمم له، فيعيد تكرار كيفية استجابة أمبراطور الصين له حين طلب بعض الفنانين، ربما كرر ذلك أربعة مرات وهو يقول: “كان عندي صخرة محفورة. وقد طلبت من الامبراطور الصيني أن يرسل لي فنانين، وان اعطيهم عملا يقومون به. طلبي لم يتم رفضه. وأرسلوا لي رسامي بلاط الامبراطور الصيني. وقد منعتهم من إقامة قاعة منفصلة، وفي الداخل والخارج جعلتهم يرسمون رسوماً [مميزة] عديدة. لدي صخرة محفورة يقع في قلبي أنني اتلفظ بأنني امتلكها”. ويقول حول مجموعة من الوفود القادمة له: “جاء 500 رجل، جلبوا اشياءاً ذات رائحة عطرة، ذهباً وفضة بكميات لا يمكن تصورها؛ جلبوا شموعاً ونصبوها؛ جلبوا صندلاً خشبياً. كل أولئك الناس قصوا شعرهم وقطعوا آذانهم وخدودهم. جلبوا خيولهم الجيدة، وفرو السمور الأسود، وسناجبهم الزرقاء بكميات لا يمكن تصورها. لقد قدموا كل هذا”.