التصنيفات
تاريخ الترك

خارطة الشعوب التركية في القرن الثامن الميلادي بحسب نقوش أورخون

(English) يبتدأ الجانب الأيسر من اللوح بالقول: الى الشرق قمت بحملات وصلت حتى سهل شانتونغ (غير معروفة) وكدت أن اصل البحر (يقصد البحر الأصفر ربما أو المحيط الهادئ)، الى الجنوب قمت بحملات حتى دوقوز ايرسن وكدت أن ابلغ التبت، وفي الغرب وصلت حتى نهر ينتشي يغوز، نهر اللؤلؤة، حتى البوابة الحديدية (بين بلخ وسمرقند الحاليتين)، وفي الشمال وصلت حتى أرض ير بايركو (غير معروفة). ورغم تلك الجغرافيا الشاسعة الواردة في هذا الوصف فإن احداث المخطوطة تغطي مساحة أقل من ذلك.

خانية تورغوش
خانية ترغش

حدود مائعة

من غير المؤكد أيضاً أن هناك أي خارطة محددة وحاسمة وتتضمن مفهوماً دقيقاً للحدود وسط تلك السهول الشاسعة المقفرة. أعلاه خارطة متخيلة لخانية ترغش ويبدو أنها تتضمن مناطق تنادي نقوش أورخون أنها تتبع للخاقان خاصتهم أي للخانية التركية الثانية. وربما يحدث الأمر ذاته مع الأونوق والخيتاي وسلالة لياو التي تحكم الصين أو الاوغوز. يمكن ملاحظة التداخل بين الأزمنة والأماكن والخرائط حين مراجعة خرائط تواجد أي جماعة او قبيلة او دويلة أخرى هناك.

أحياناً قد يقوم الخاقان بمعركة في مكان ما، فيذكر مثلاً أنه حقق نصراً على القارلوق قرب بيشبالق، الظاهرة أعلاه في الخريطة، لكن هل بقيت تحت سيطرته؟ هل غادرها فوراً؟ هل حكمها لحقبة من الزمن؟ هذا غير معروف. يذكر أيضاً أنه حفظ بيشبالق من احدى الغزوات، فهل سيذكر متى ستسقط ومتى سقطت؟ غير واضح أيضاً. وهكذا هو الحال مع معركة حدثت بالقرب من نهر ايرتيش (Irtish) الواقع اليوم في شمال كازاخستان، ومن غير المؤكد ان كانت تلك الرقعة الجغرافية ثابتة تحت حكم الخانية أم لا.

غير أن المحدد حول الخانية الثانية والشعب الذي كتب نقوش أورخون هو تواجدهم لفترة ما، على الأقل لحكم 4 خاقانات، في وادي أورخون بالقرب من نهر تول الذي تذكر حوله أحداث عديدة ويذكر أيضاً حدوث صدامات مع شعوب أخرى بالقرب منه، أي قريباً من قلب الخانية التركية. مما يؤكد ذات المبدأ حول الحدود غير المؤكدة والمائعة.

الشعوب في كتابات أورخون وواقعها اليوم

من الصعب تأكيد اذا ما كانت بعض المجاميع الوارد ذكرها في نقوش أورخون هي السلف لمجاميع أخرى تحمل نفس الاسم اليوم. مع ذلك، فإن تسميات بعض المجاميع من الممكن ألا تتغير كثيراً خلال تلك الفترة مثل القرغيز. مواقع بعض الشعوب التركية كانت دوماً عرضة للتغيير بحكم أن تلك الشعوب هي شعوب بدوية متنقلة، ورغم أن بعض الأماكن يمكن أن تبقى ضمن نقاط معين ثابت غير أن هذا النطاق يمكن أيضاً أن يزاح ويتغير خلال بضعة مئات من السنوات.

أما عن الشعوب، فسنأتي لذكر كل منهم ولذكر أين هم اليوم وماذا يشكلون. يبتدأ الأمر بالأوغوز الذين يتواجد أكبر تركيز لهم اليوم في الأناضول وايران وأذربيجان وتركمانستان وأيضاً في شرقي أوروبا أي شعب الغوغاوز. لكن هل الاوغوز هنا يعنى بهم ذات الاوغوز الذين انتقلوا لاحقاً؟ يلاحظ في النص وجود الدوقوز اوغوز أي التسعة اوغوز او الاوتوز اوغوز أي الثلاثين اوغوز، واوغوز تعني مجتمع. لكن لو كان الاوغوز الحاليون هم ذاتهم احدى تلك التجمعات فهذا يعني هو أنهم انتقلوا من تلك النقطة حول جبال الالتاي ليتفرقوا الى ما لا يقل عن 6 شعوب مختلفة اذا ما اخذنا ذلك من منظور لغوي أو جيوسياسي اليوم، وأنهم انشئوا دولاً في جانب آخر من العالم يصل الى 5000 كيلومتر وأن مصيرهم قد تغير كلياً وبشكل مفاجئ بعد حوالي 400 سنة من تاريخ النصوص.

الدوقوز اوغوز هو الشعب الآخر المذكور والذي هو في الحقيقة ليس شعباً واحداً بل تحالف قبلي من تسعة قبائل كما يحمل الاسم دوقوز بمعنى تسعة واوغوز بمعنى تجمع. يذكر في ويكيبيديا نقلاً عن كتاب تانغ القديم (صيني) بأن الاويغور هم أحد هؤلاء الشعوب التسعة، لكن لا يبدو أن أي من الشعوب الأخرى ضمن التحالف قد بقي كمجموعة لغوية مستقلة في منطقة ما. ربما اندمج هؤلاء ضمن الاويغور الحاليين. موطن الدوقوز اوغوز يفترض أن يكون في مكان ما بالقرب من مكان الاوغوز الحالي او في صحراء غوبي في الصين. بالإضافة للدوقوز اوغوز يذكر النص لمرة واحدة التتار التسع (دوقوز تتار) ولا يعرف شيء عن هؤلاء. لغوياً، فإن الاويغور لا يمثلون بذاتهم قلب عائلة لغوية أخرى بل ينتمون الى القارلوق المشار لها كشعب آخر.

كون الدوقوز اوغوز يشمل الاويغور فإن هذا يمثل القارلوق اليوم بعائلة لغوية تغطي الاويغور والاوزبك وسبق وأن شملت القرەخانية والخوارزمية والجغتائية. لكن في النقش يبدو القارلوق شعباً وجماعة جيوسياسية ولا يذكر أين هو موقعهم. كان للقارلوق عصر ذهبي تبع الغزوات المغولية وهم اليوم يقتصرون على شعبين، أما في فترة نقوش اورخون فقد كانوا يتكونون من نواتين كما يبدو من توزيعهم كنواة رئيسية في الغرب وأخرى ضمن الدوقوز اوغوز في الشرق.

يذكر الصغد مرات عدة فيما يذكر النقش الفرس مرة واحدة. يحدد موقع الفرس والصغد نسبة الى احدى المعارك معهم بالقرب من تامير قاپه (Temir qapïγ) أي الباب الحديدية وهي تقع بين بلخ وسمرقند الحاليتين. يتواجد الفرس في تلك الانحاء اليوم بشكل محدود جداً اما الصغد فقد اختفوا كلغة على الأقل.

الخيتان او الخيتاي هم من اسلاف المغول الحاليين ويقعون الى الشرق من وادي اورخون أي أنهم في ذات النقطة التي انطلق منها جنكيز خان بعد 500 سنة من تلك الاحداث، ويبدو الخيتان شعباً قوياً وقد ازدهروا في فترة لاحقة ضمن سلالة جن في الصين. يعرف الخيتان في النقش بالخيتاي (Kitays). ذكر الخيتاي في سياقين: أولهما يشبه سيناريو مخيف بالنسبة للترك وهو يتمثل باتحاد اعداءهم من الجهات الثلاث الخيتاي شرقاً والصينيين غرباً والاوغوز شمالاً؛ والثاني هو ذكرهما مع التتار والتاتابي لمرتين. يتضح أن التاتابي هم شعب مغولي آخر تواجد حتى نهاية الألفية الأولى. أما التتار فهم ينتمون لغوياً لعائلة اللغات التركية، لكنهم كانوا ملازمين للمغول حتى أن العرب مثلاً قاموا بتسمية المغول بالتتار، في حين أن التتار لم يكونوا سوى جزء من تحالف مع المغول. ربما يعد تواجد التتار اليوم هو الأوسع بعد المغول (اذا ما اعتبرنا المغول الورثة الرسميين للخيتاي).

يبدو القرغيز أيضاً عدواً بارزاً للترك في اورخون. من غير الواضح أين يسكنون لكن في احدى المرات ذكر أن الطريق اليهم كان مسدوداً بالثلوج كما ذكر انهم يقطنون بالقرب من جبال وغابات قوغمان التي لا وجود لها بهذا الاسم اليوم، لكن من طبيعة المكان يستبعد أن تكون بعيدة جداً عن موضع قرغيزستان الجبلي الحالي. يذكر مع القرغيز شعب الآز (Az) وهم شعب منقرض اليوم ولا يبدو أن لهم أهمية كبيرة في ذلك الوقت أيضاً. كما ذكر شعب التشيك (Chik people) مرتين مع القرغيز باعتبارهم حلفاء لهم لكن دون تفاصيل. وذكر ايضاً البشميل (Bashmil people) والتشوغاي قوزي (Chugay-kuzi) الابار (Apar) لكن دون أي معلومات عنهم.

ورد أيضاً ذكر التردوش (Tardush) والتوليش (Tolish) ولا معلومات كافية عنه لكن في مقال ويكيبيديا عن قبيلة خويانتو (Xueyantuo) ويتضح أنهما ليسا تسميات دقيقة لقبائل بل قد تكون خانيات او تسميات لتقسيمات إدارية ضمن تلك القبيلة فقط وهذا قد يشير الى عدم دقة المعرفة حول المجاميع المحيطة حتى من قبل الغوكتورك كتاب النقوش أنفسهم. كما يرد ذكر شعب السهام العشر وهم أيضاً جزء من شعب النوشيبي ويعيشون في الخانية التركية الغريبة التي كانت موجودة في ذلك الحين واختفى ذكرهم بعد ذلك. وقد ذكرنا التيرغش الذين ذكروا لوحدهم بصفتهم اتراكاً لانهم كانوا حلفاء للترك في اورخون. وورد ذكر الاسغيل (Izgil people) والذين هم شعب منقرض، والاديز (Adiz people) والذين لا وصف لهم في مكان آخر. والتنغوت (Tangut people) الذين يتضح أنهم شعب صيني-تيبتي سكن في مناطق مقاربة وفي غرب الصين والذين يبدو أنهم ابيدوا على ايدي المغول.

أما الشعوب الخارجية غير التركية او المغولية بمفهومنا الحالي والتي لم نذكرها فهي التيبت والصين فقط. والتيبت ذكرت نادراً ولم تذكر بمعارك، اما الصين فقد حدثت معارك عديدة مع الصينيين. وذكر الخاقان بشكل ممل كيف أنه طلب من ملك الصين ارسال فنانين له لتزيين مسكنه ولانشاء النقوش وان ملك الصين قد فعل ذلك، ذكر ذلك مراراً. كما ذكر ان الصينيين يمتلكون الكثير من الثروات كالحرير والذهب والفضلة. ولا يبدو أن الخانية قد نجحت في القيام بأي حملة في العمق الصيني.

شعب التونغوت
بالأخضر الفاتح الى الغرب حيث سكن شعب التونغوت

نموذج من عبارات المخطوطة:

𐱃𐰸𐰆𐰕:𐰆𐰍𐰕:𐰉𐰆𐰑𐰣:𐰚𐰤𐱅𐰃:𐰉𐰆𐰑𐰣𐰢:𐰼𐱅𐰃:𐱅𐰭𐰼𐰃:𐰘𐰃𐰼:𐰉𐰆𐰞𐰍𐰴𐰃𐰤:𐰇𐰲𐰇𐰤:𐰖𐰍𐰃:𐰉𐰆𐰡𐰃

Toquz Oγuz budun kentü budunïm erti Teŋіri jer bolγaqïn üčün yaγï boltï.

“Nine Oguzes were my own people. As Tengri and the earth came to disorder, they rose against us.”

كان التسعة أوغوز شعبي. حين اضطرب تنغري والأرض، ثاروا ضدنا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *