التصنيفات
الحقبة العثمانية العراق بين احتلالين

حرب البحار والمحاولة العثمانية الأخيرة للسيطرة على البحار الجنوبية

ذكرت في منشور سابق كيف أن البصرة أصبحت مهمة للعثمانيين فجأة في القرن السادس عشر بعد قرون من الإهمال والنبذ، طبعا لم تصبح مهمة بمعنى أن يتم الاعتناء بها بل مجرد أن تم احتلالها.

تحركات البرتغاليين نحو رأس الرجاء الصالح صعوداً نحو بحر العرب ثم الهند فأندونيسيا كانت مقلقة للسلطان سليمان القانوني خصوصاً وأنها صرفت الأنظار عن طرق التجارة البرية القديمة وعن البحر المتوسط الذي يتطلع القراصنة الترك والبربر للعبث به عبر الخطف والسلب وأخذ الأتاوات.

هنا جاءت الذريعة لاقتحام السواحل الجنوبية عبر نداء من السلطان محمود حاكم كجرات المسلم للسلطان سليمان القانوني لنجدته من البرتغاليين، فكلف السلطان والي مصر سليمان باشا ليقوم بحملة النجدة هذه، والتي أتخذت طابع “وامعتصماه” لكنها سلكت نهج مخالف لسياسة التآزر الإسلامية التي يفترض أن تعكسها.

عرجت الحملة على عدن فحاصرها سليمان باشا ودخلها وقتل حاكمها عامر بن داوود. ثم انطلق نحو مسقط فأسقطها واحتلها، حتى بلغ الهند، فسمع سلطان كجرات ما جرى مع حاكم اليمن فنصحه المشاورون بعدم التعاون مع الحملة التي طلبها حتى لا يكون مصيره كمصير حاكم عدن، وفي الوقت الذي كان سليمان باشا يطلب المؤونة من السلطان محمود، انقلب السلطان ليتخذ جانب البرتغاليين المعادين له! فأغلقت صفحة كان من الممكن أن تؤدي لمسار تركي آخر في التاريخ يمر عبر الهند.

يتحسر عباس العزاوي في كتابه العراق بين احتلالين على امرين بخصوص الحرب البحرية بين العثمانيين والبرتغاليين والتي ظهر فيها البرتغاليون ببحريتهم المتقدمة: الأول هو سقوط الاهمية التجارية للعراق وفارس والبحر المتوسط بعد تفعيل الطريق الجنوبي النظيف من قراصنة العثمانيين.

والثاني والاشنع بالنسبة لعباس العزاوي هو دور احمد بن ماجد في الاكتشافات البرتغالية كأحد اوائل من يمكن تصنيفهم ضمن الخبراء الاجانب (expat)، واحمد بن ماجد هو ملاح عماني بارع رافق فاسكو دي گاما بصفته خبيرا وذلك في الرحلة الشهيرة من البرتغال الى الهند ولا ينكر دور ابن ماجد شرقي ولا غربي في اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح. لكن المعضلة هي كيفية تبرير ذهاب هذا الرجل لخدمة دولة معادية، فتارة يقولون انه سكر فافشى بأسرار الملاحة (نتخيل اينشتاين سكران مثلا وهو يسرد معادلات رياضية) فيحاول البعض دفع تهمة الخمر عنه، ثم يصطدمون باشعاره حول الخمر. واذا ما خرجوا من ذلك كله اصطدموا بقضية أن البرتغاليين لم يكن لديهم طابع النهب والتسليب كما هو الحال مع اساطيل العثمانيين أو ربما كان أقل، لكن الخلاصة كانت عند أحمد بن ماجد، فهذا رجل مسلم عماني نال القدر الكبير بينهم وفضل ان يعمل معهم بدلا من الاتراك او الفرس كما ان كثيرا من حكام الخليج وبحر العرب فضلوا التعاون معهم. على الاغلب لم يرد البرتغاليون سوى تنظيم نقاط على الطريق لاسناد سفنهم الذاهبة للشرق وكانوا يقدمون شيئا بالمقابل، اما الدعوة لطاعة السلطان فهي تطوعية واجبارية ومكلفة وخالية من المنافع. ليس هذا فحسب، بل قد يكون مصيره كمصير بيري رئيس الخبير البحري العثماني الذي حاول حماية الاسطول العثماني فاعدم نتيجة وشاية تافهة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *