العراق عموماً وجنوب العراق خصوصاً كان هامشاً وجزءاً قليل الأهمية بالنسبة للدولة العثمانية، فهو قليل المحاصيل مقارنة بالشام والاناضول ومصر، ولا أحد يعرف قيمة النفط ووجوده حتى فترات لاحقة، كما أنه مليء بمشاكل العشائر العربية والكردية وبرغبات إيران الجامحة بالحصول عليه.
لولا البعد الاعلامي الذي حصل عليه السلطان سليمان كمنقذ للسنة وذلك بتحرير مراقد ابو حنيفة والشيخ عبدالقادر لتغطية خسائر وقضايا أخرى، ولولا الفكرة حول استخدام البصرة في الصراع مع البرتغاليين (والتي فشلت) لما دخل العثمانيون العراق أصلاً. لكن وبعد دخوله واستمرار واقع الخسائر في الحروب مع الاوربيين كان العثمانيون بحاجة لساحة أخرى لإثبات الجدارة فضلاً عن كون العراق ساحة حرب لمنع الصفويين والافشار من التقدم نحو أراضي أكثر أهمية.
لا أحد كان يأمن من تكرار مصيبة ظهور فاتح آخر من أقصى الشرق، هولاكو دخل بغداد في منتصف القرن الثالث عشر وأعقبه تيمورلنك في نهاية القرن الرابع عشر. ما المانع من تكرار الأمر؟ لهذا كان وجود الصفويين مهماً وهو ما دعى العثمانيون بخلاف ساحات أخرى إلى الموافقة على اتفاقيات ترسيم الحدود وترك الصفويين والافشار يواجهون الأوزبك والمغول حكام الهند من الطرف الآخر لحدودهم مع تظاهر السلطان العثماني بالتضامن السني-التركي مع أعداء الصفويين في الطرف الآخر والذين كانوا سيصبحون العدو الأول لو كانوا هم الحكام في ايران حتى وإن كانوا من أهل السنة، مثلما حدث مع تيمورلنك الذي أسر السلطان بايزيد.
ذرائع انقاذ السنة كان من الممكن أن تتم في عهد سليم الأول الذي احتل تبريز عاصمة الصفويين، لكنه لم يتقدم نحو بغداد، شيراز، يزد وأصفهان التي لم تزل سنية، وتُرك الأمر حتى واجه السلطان سليمان الهزيمة في فيينا 1532 ليعود نحو بغداد 1534 ويطرد الصفويين منها رغم الاقتدار التام للسلطان سليم على محو الصفويين بشكل تام بعد معركة جالديران وقبل 20 سنة من فتح بغداد (ملاحظة: يفسر بعض المؤرخين الأتراك عزوف السلطان سليم ياوز عن الإجهاز على الدولة الصفوية للتقارب العقائدي بين الطرفين، ولاسيما الطريقة البكتاشية للعثمانيين والقزيلباشية للصفويين والتي دعت القوات العثمانية إلى التقاعس والنزوع عن التقدم أكثر في العمق الايراني، لكنني أرى ذلك سبباً ثانوياً أمام المعطيات السياسية).
لم يكن العثمانيون هم العدو الأول للصفويين، فالصفويون كانوا بمواجهة الأوزبك بشكل رئيسي، وكذلك لم يكن الصفويون هم العدو الأول للعثمانيين، بل كانت الساحة الأوربية هي محط أنظارهم. كما لم يكن العراق ساحة مهمة للعثمانيين، رغم أن أهميته بالنسبة للصفويين. لكننا درسنا التاريخ وكأننا جزء مهم من ذلك الصراع.
مع ذلك فإن دخول العراق في اللعبة سيجعله ساحة حرب، حتى ولو بدافع العزة والمكابرة ولعبة الحرب بين السلاطين والملوك. غير أن صورة القوى العظمى آنذاك يُمكن مشاهدتها بالبرتغال، بريطانيا، أسبانيا، الدولة العثمانية، الامبراطورية الرومانية المقدسة، فينيسيا وعلى نحو متوازي بالقوة في كل من الصفويين، والامارات المغولية في الهند وما وراء النهر.