التصنيفات
التعلم الآلي تواصل اجتماعي خوارزميات عربي

مفارقة المتابعة

(English)

راديو صغير داخل قبو كفيل بأن يشعر صاحبه أنه متصل بالعالم، حتى لو لم يحدث تواصل حقيقي مع أشخاص حقيقيين فإن الشعور بالاتصال بالعالم مطلوب، ربما بدرجات متفاوتة فليس الجميع يهتمون بقراءة الأخبار لكنه مطلوب ويزداد أو ينقص تبعاً لأحوال عديدة لدى الأشخاص. وكنوع متطرف من هذا الشعور بالرغبة لمعرفة ما يجري في العالم فإن فكرة العالمية تطارد بعضنا، أن نحاول إدراك كل ما يجري في العالم بشكل عادل، أن نعرف الاخبار من مصادر كثيرة، وقد يحاول بعضنا أن يتابع الكثير من الوسائل الإعلامية من مختلف الدول واللغات، وأن يتابع الكثير من الشخصيات والمشاهير، ليس عبر فتح صفحاتهم الشخصية ومواقعهم لكن عبر كرة سحرية تعرف بالجدار في تويتر أو فيسبوك، وحول هذه الكرة السحرية هناك الكثير من الإشكاليات التي تخلق مفارقة لمتابعة ما يجري في العالم.

أول مشكلة في الكرة السحرية هي أننا نحاول أن نتابع اصدقاءنا، نتابع ما يقوله الناس عنا، وأن نتابع ما يجري في العالم من حولنا عبر ذات الكرة، وبذلك فإن هناك انحياز كبير، للتعليقات والاعجابات التي ننالها حول شيء ما نشرناه، ومن ثم الى الأشخاص الذين نهتم بهم، وتبقى هناك حصة صغيرة للعالم. مع ذلك، ورغم أن اهتمامنا قد يدور حول أنفسنا بشكل رئيسي وحول بضعة اشخاص آخرين فإن لائحة اعجاباتنا ومتابعاتنا تعكس أمراً مغايراً حيث تضم مئات الصفحات والشخصيات.

بعد كل ذلك، تأتي خوارزمية الشبكة الاجتماعية لتفرض علينا ما ضريبة الخدمة المجانية، الإعلانات والمنشورات المدفوعة أو ما تمليه سياسة الخوارزمية لتعرض علينا شيئاً مما قررنا سابقاً أننا نرغب بمتابعته. المفارقة تكمن في حقيقة أننا لا نستطيع أن نتابع كل ذلك. حتى لو ارادت الخوارزمية ان تنصف اسلوبنا في المتابعة فهل ستختار تفضيلاتنا الخفية أم جميع خياراتنا المعلنة؟ هل ستظهر منشورات الرئيس الهندي بنفس الكثافة التي تظهر فيها حبيب أو عدو نهتم بمتابعته؟ عندما نقرر أن نساهم في شبكة مجانية، وأن نتابع 500 صفحة لنشبع رغبة المتابعة فيجب أن نعلم أنه لا توجد طريقة حقاً لنتابع كل ذلك، جانب المفارقة الآخر هو أننا بقدر ما نهتم بمتابعة ما يجري في العالم فإن ذلك يحول في الحقيقة دون أن نتابع شيئاً نتيجة اغراقنا في ذلك الوهم بسبب متابعة عدد كبير من المصادر.

مفارقة المتابعة تجعلنا بشكل غير مباشر ضحايا أسهل للإعلانات، فالاعجابات والمتابعات ستضعنا ضمن مجاميع أيديولوجية او تسويقية او حتى جنسية ومن يعرف كيف يعمل الذكاء الاصطناعي يفهم كيف أن الاعجابات هي وسيلة مذهلة لكي يقوم الشخص فيها بتصنيف نفسه بشكل دقيق، حتى أن هناك خلافات داخل المجاميع الأيديولوجية والتسويقية (والجنسية) فيما لو شق أحد الافراد يد الطاعة وأعجب بشخص ما او بقوله! طبعاً نحن نتكلم هنا عن الاعجابات فقط والتي هي وسيلة معلنة يقوم بها الشخص بتصنيف نفسه، ولا نتكلم عن التحليل الدقيق للضغطات والوقت المقضي في صفحة ما، هذا يعطي التصنيف الحقيقي للاهتمامات مقابل التصنيف المعلن ويمكن عبر مقارنة الاثنين ان نصل لنتائج أكثر قوة. إلى ماذا ستؤدي تلك الاعجابات والمتابعات إذا؟ المزيد من الإعلانات أو المزيد من السلوك المحبب لك لتبقى بشكل أطول وتشاهد المزيد من الإعلانات. طبعا نحاول هنا أن نفكر بشكل بريء بالإعلانات فقط كهدف نهائي لعمليات التلاعب والدراسة وليس أي شيء آخر (مثل تغيير نتائج الانتخابات عبر تغيير آراء الناس).

يجب أن نعترف أننا لا نهتم، وأننا لو أردنا الاهتمام بقضية ما فإن الطريق لذلك أطول من متابعة شخص أو مصدر اعلامي ذو شأن في تويتر، وأن كثرة المتابعة لا تربطنا حقاً بقضايا العالم، بل توقعنا أكثر في مفارقة المتابعة.

الآن هل سأكون أول من يطبق امراً معاكساً لمفارقة المتابعة؟ أظن أنني استطيع تذكر 20 صفحة مما اتابع في تويتر ليس أكثر من ذلك، ما يتطلبه الأمر منا هو أن نلغي الاعجاب بكل ما سبق، بعد أن نحصيه في مجموعات ونعيد تقرير اعجابنا او متابعتنا، ثم نقوم بفرز تلك المجموعات الى مجموعات تشبه الدراسة، ما الذي يمكن أن نتابعه باستمرار؟ ما الذي يمكن ان نعطيه فترة من بضعة أشهر؟ هكذا نعيد الاعجاب والمتابعة لفترات معينة ثم نعيد الغاء المتابعة واضافة شيء جديد. يبدو أمراً صعباً ولا طاقة لأحد به، فالمتابعة في المواقع الاجتماعية أصلاً وجدت للسهولة وإلا فيمكننا التجول في المواقع، إذاً في هذه الحالة يجب أن نلغي متابعة كل شيء نرى أنه لا يظهر ونعيد تقييم ما يظهر، هل حقاً هو أكثر شيء نهتم به؟ أم أننا قد انزلقنا في منحدر معين في الخوارزمية تدريجياً ونتيجة متابعة موضوع معين لفترة ما فصارت تظن أن هذا هو كل ما يهمنا؟ أو ربما نحن نهتم بالموضوع فعلياً؟

اضافة في يوليو 2022:

يبدو أن تويتر وغيره لديهم طرق جديدة لرسم مسار معين يحتم عليك مشاهدة ما يرغبون في أن تشاهده. انت لا ترى منشورات من تتابعهم فقط، ومعضلة المتابعة تبدو أمراً هيناً، بل ترى منشورات اعجبوا بها، مساحات للاهتمامات، محتوى رائج، محتوى شائع في المكان الذي تعيش فيه، محتوى نشره شخص يتابعه أشخاص تتابعهم، ترى كل ذلك وربما لا ترى أبداً ما ترغب حقاً بمتابعته ولا ينال الأهمية. كل ذلك يتيح للشبكة عرض ما تريد ان تعرض لك لا ما تريد أنت، والهدف؟ احتمالات كثيرة واردة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *