كان جزءا من العلاقة المشوهة بين مكونات العراق في العهد العثماني، ان سكان المدن والزراع هم الى حد ما مع الدولة، وفي الطرف الاخر هناك العشائر، المعادين للدولة وتقريبا لكل من مع الدولة، فحملات العشائر كانت تخرب المزروعات وتسلب الممتلكات من سكان القرى الزراعية البسيطة. كلا الطرفين يستحل الاخر تماما، الوالي كان احيانا يقوم بحملات ضد العشائر تبررها اقلام الدولة من العرب والروم والتركمان من سكنة بغداد بأنها حملات تأديبية، لكنها لم تكن كذلك دائما، فأحيانا كان الوالي يطمع بالقليل الذي تملكه هذه العشائر من حيوانات، وايضا فهو يفعل ذلك كنوع من المداراة للانكشارية الذين تصعب السيطرة عليهم. نادرا ما ساند مؤرخ بغدادي عشيرة، ونادرا ما نحت عشيرة ما بسلطتها المؤقتة الى نوع من القانون وحفظ الحقوق. هناك هامش ضعيف جدا يمكن من خلاله معرفة ان بعض غزوات الولاة لم تكن مبررة ولم تكن تأديبية.
الى جانب ذلك التوزيع، فإن هناك دوما عشائر متحالفة مع الوزير (يسمى والي بغداد بالوزير)، لكن هذه العشائر لا تمثل الفتى المدلل للوزير، بل كلبه المدلل، فهي من اوائل المنخرطين في حروبه ضد العشائر الاخرى، وتكون بالطبع مخولة ايضا هي الاخرى باقامة حروبها.
عشيرة العبيد مثلا كانت لفترة طويلة تلعب هذا الدور مع الوزير، وهكذا الحال مع معظم العشائر الكردية. فيما كانت هناك فئة أخرى، وهم المهادنون الذين يدفعون الاتاوة للوزير.
من الحالات الغربية التي جذبت الانتباه لعدم مشروعية حملات الولاة، ما قام به احمد باشا ضد عشيرة بلباس الكردية، والتي تمثل استثناءا غريبا عن العشائر الكردية في القرن الثامن عشر. فضح الامر احد المؤرخين الذي قال بأن بلباس لم تكن معتدية على احد وأنها كانت ملتزمة دينيا في تلك الفترة، ما نوع هذا الالتزام الذي جعل الاكراد والوزير ينقلبان ضدها ويستحلان دماء اهلها واموالهم؟ تروي القصة أن نساء العشيرة كن يقاتلن العثمانيين ومن معهم من الكرد والعرب مثلما يقاتل الرجال وان نوعا من الحصون البسيطة كانت موجودة في ديارهم.
العراق اذا، كان بحرا من القفار التي تجوبها قراصنة البر من الرحل، والمدن في جزء كبير من نشاطها الاقتصادي هي محطات تبادل لهؤلاء. وهناك قطيعة تامة بين القلة المتمدنة وبين الرحل، وحروب وتحالفات بين الرحل انفسهم. يشبه الامر النظرة المتواجدة اليوم والتي تنتج التسمية القادحة المستخدمة ربما منذ ذلك الحين “عربان”.