عند تسلم عبدالله باشا ولاية بغداد يبدو انه كان يريد سوءا بسعيد بگ ابن الوالي السابق سليمان باشا، فهرب الاخير الى المنتفق لاجئا الى الشيخ حمود الثامر.
اصر الوالي على السير الى المنتفق لاستعادة سعيد بگ، فخاطبه الشيخ حمود خطابا لينا لعله يتراجع فأبى. ووصل الى منطقة تبعد بضعة ساعات من سوق الشيوخ وتواجه جيش بغداد مع عشيرة المنتفق.
في البداية بدا وكأن العثمانيين قد انتصروا، لكن جانبا من الجيش انشق وانضم الى الشيخ حمود لصلات وافضال بينهما، وكذلك فعلت العشائر الموالية، فوجد الوزير نفسه مع قلة من المقاتلين وعندها حاصره المنتفق من كل صوب واعطوه الامان.
استسلم الجيش واسر الوالي واخذ الى سوق الشيوخ، اما الجيش المتبقي للوالي فقد سلب وسلبت حتى ملابس الجنود فيقال انه لم يبق لديهم ما يستر عوراتهم، ومع وفاة احد الشيوخ من اقارب الشيخ حمود متاثرا بجراحه قام الشيخ باعدام الوالي ومقربيه ويقال ان قبره نبش بعد مقتله وقطع رأسه.
يمثل عبدالله باشا مرحلة متدنية في مستوى الولاة، اذ كان مملوكا لاحد الولاة السابقين وكان اميا جاهلا، وقد انتهى به الحال هكذا.
اما سعيد باشا ابن سليمان باشا فيمكن اعتباره عراقيا وفق مفهوم الانتماء والجنسية المتعارف عليه اليوم، فقد ولد ونشأ في بغداد ونصب كوالي بعد تحالفه مع حمود الثامر شيخ المنتفق الذي انتصر على الوالي السابق وقتله. فعين سعيد باشا وفرح الناس به في البداية. لكنه كان صغيرا في السن، وسفيها، فظل يتلاعب بالمناصب بمشورة والدته ومن بقي من المماليك معه، حتى بلغ به الحال ان جعل مستشاره الاول شخص من بائعي الاطعمة يدعى حمادي ابن ابي عقلين. و صار حمادي هو الامر الناهي في الواقع (وفقاً لسليمان فائق في كتاب تاريخ بغداد فإن الناس كانوا يقولون بأن سعيد وحمادي كانا مثليي الجنس).
في هذه الاثناء كان نجم داوود باشا يتصاعد، فمع تشتت الحال وضياع النظام والتخريب المستمر من قبل العشائر، كلف داوود باشا بمهمة انقاذ الزائرين الايرانيين الذين احتجزتهم العشائر داخل كربلاء وهي تترقب خروجهم لنهبهم. مع قوة بسيطة، فرق داوود باشا جموع العشائر دون قتال حتى ورافق الزوار حتى اكمال زيارتهم وعودتهم وكان فيهم زوجة الشاه.
الحادثة تلك بذاتها تعد مؤشر كبير على مدى سوء السلوك العشائري ومعارضته للنظام، اذ لم يكتفوا بقطع الطرق بل أنهم بمجرد سماعهم بوجود عدد كبير من الزائرين الايرانيين ومعهم فئة من النبلاء، قاموا بمحاصرة مدينة باكملها ولم يردعهم في ذلك أن هذه المدينة مقدسة بالنسبة لهم، فكانت العشائر المحاصرة للمدينة هي عشائر شيعية، كما كان المحاصرون حجاجا للمزار الذي يفترض أنهم يقدسونه.
عقب ذلك تدخل سعيد باشا بمشورة ابن ابي عقلين في تغيير باشا بابان والذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير، اذ استمرت الاوضاع بالتخلخل كما سبب تغيير والي بابان امتعاظا من ايران كذلك التي يبدو أن رأيها كان يحسب له الحساب فيمن يتولى تلك الامارة. عندها خرج داوود باشا من بغداد اخذا معه مجموعة كبيرة من المماليك واتجه الى السليمانية لمعاكسة قرار سعيد باشا ولمخاطبة السلطنة في تنصيبه بدلا من سعيد.
قبل ذلك كان ما اسقط سعيد عند السلطنة هو حادث جرى له اظهره بمظهر المتمرد. اذ ارسل احد المسؤولين في اسطنبول طلبا بتعيين احد اليهود من اصدقاءه رئيسا للصرافين، فرفض سعيد بناءا على مشورة ابو عقلين الذي كان صديقا لرئيس الصرافين، ففرض القرار السلطاني في النهاية وعين عزرا اليهودي صديق المسؤول الاسطنبولي الرفيع.
كان لولاية بغداد في ذلك الوقت الصلاحية بسك بعض الفئات النقدية، ويتولى مسؤولية ذلك رئيس الصرافين. وهنا قام عزرا بسك اسم سعيد باشا بدلا من ختم السلطان فتدارك سعيد الامر وأمر بتبديلها بسرعة، لكن بعضاً من القطع النقدية كانت قد ارسلت الى اسطنبول. غضب السلطان وأمر بتولية داوود باشا وارسلت له الخلع والبيانات الرسمية المطلوبة لتوليته.
وقتها كان داوود باشا منسحباً بقوة كبيرة الى السليمانية وكركوك. وبدأ المماليك ينسحبون من بغداد ويتجهون اليه، فأمر سعيد باغلاق الابواب ومنع الفرسان من الخروج، فصاروا يخرجون دون خيولهم.
حوصرت بغداد من قبل داوود باشا وصادف ذلك غلاءاً وشحة في الطعام وارتفعت الاسعار وتبلبل الوضع، فانسحب داوود باشا مدركاً بدهاءه أن الوضع سينهار داخلياً وابتعد عن العاصمة.
في اثناء ذلك كان بعضاً من الاكراد من بابان مساندين لسعيد باشا ومتواجدين في بغداد، ثم قام سعيد باستدعاء المنتفق حلفاءه فجاؤوا بآلاف الرجال ودخلوا العاصمة، ومع الشحة والفقر كان عليه أن يصرف لهؤلاء كل ما يحتاجون من طعام وعلف للحيوانات، كما أن أهل بغداد ضجوا وانزعجوا من وجود “العربان” في المدينة. لكن مع حركة داوود باشا بالانسحاب ظن سعيد أن الوضع قد تحسن فطلب من المنتفق العودة. وهنا تحقق غرض داوود باشا اذ اوهم سعيد بانه منسحب فاستغنى الاخير عن وجود المنتفق معه وخلت الساحة.
عندها تحرك أهل باب الشيخ ضد سعيد ومن معه بتحريك من المماليك وزادت الفتنة بعد تفاقم الوضع، وانتهى الحال بهروب سعيد وابن ابي عقلين إلى القلعة الداخلية (لا اعلم اين كانت القلعة الداخلية، فبعد 1850 تم تغيير المؤسسات الرسمية).
هنا جاء الرسل الى داوود باشا وطلبوا منه ان يدخل الى بغداد، وكان معه محمود باشا من بابان فيما كان عبدالله باشا بابان مع سعيد. فدخل منتصراً من الباب الشرقي دون قتال وطلب من سعيد الاستسلام فأبى.
مصير سعيد وابن ابي عقلين كان سيئاً جداً، إذ قطع رأس سعيد، فيما عذب ابن ابي عقلين عذابا شديداً، وكان لحمه يقطع أمام عينيه لكي يعترف بمواضع الأموال (يبدو أنه كان سارقاً كبيراً)، توسط محمود باشا عند داوود باشا فقط ليتم قتل ابن ابي عقلين بدلاً من تعذيبه لكن دون فائدة. وقد مات لاحقاً من التعذيب وكان يهذي بأن الأموال عند احد التجار، مما وضع التجار في بغداد بموقف حرج اذ لم يستطع حمادي ان يتذكر اسم التاجر.
كما اعدم عدد من المسؤولين البغداديين الذين عينهم سعيد في الفترة الاخيرة دون ذنب، فلم يكن لهم الخيار برفض المناصب. يذكر عباس العزاوي ذلك ويذكر أن مؤرخاً واحداً فقط قد ذكر فضائع داوود باشا الذي كان بارعاً في شراء الأقلام وكتابة التاريخ لمصلحته (كما يرى علي الوردي ذلك أيضاً) والمؤرخ هو سليمان فائق في كتاب تاريخ الكولات.