تبدو نظرة سليمان فائق بيك عن ايران في كتابه تاريخ بغداد مختلفة عن الصورة العامة التي يقدمها عباس العزاوي في كتابه العراق بين احتلالين. نظرة سليمان فائق هي نظرة نابعة من وقته وظروف العراق في مطلع القرن التاسع عشر وهي رؤية كان سيصعب الحصول عليها وفهمها لولا توفر كتابه الذي كتبه بالتركية ثم ترجم الى العربية.
ايران تبرز كعدو بالنسبة لسليمان فائق بيك وقد وجدت هذا غريباً عن الصورة الودية او الحيادية التي يقدمها عباس العزاوي في فترة سابقة. ايران التي كانت ولاية بغداد وحدها نداً كافياً لها أصبحت مختلفة اليوم. الجميع سبقوا الرجل المريض، حتى ايران التي كانت تبدو ضعيفة جداً.
أدخل الايرانيون الاصلاحات العسكرية عبر المدربين الاوربيين الى جيشهم، وانعكست الآية، فصارت ولاية كرمانشاه وحدها تخاطب العراق وتفرض عليه أحكامها فيما يتعلق بالسليمانية، وكان احد ولاة المماليك قد أرسل لكرمانشاه ما يشبه الجزية للترضية عن قرار لم ترضه بخصوص السليمانية. كانت تلك الايام في عشرينات القرن التاسع عشر فرصة لتجربة الجيش الجديد القادم من كرمانشاه على ولاية بغداد، الخصم التقليدي لايران.
بدأ الأمر برفض الشاهزاده والي كرمانشاه لأحد تعيينات ولاة بابان، محاولاً أن يفرض الوالي الذي يريده، ومع رفض داوود باشا دخل جيش كرمانشاه من زهاو، ثم خرب زنگاباد (السعدية) واتجه نحو السليمانية فاحتلها ونصب الوالي الذي يريده من بابان. ثم لاقته قوات بغداد بقيادة الكتخدا محمد وكانت قد عانت من المرض وكان تعدادها أقل من ربع القوات الايرانية كما فشل الوالي الآخر من بابان بأن يجلب ما وعد بجلبه من المقاتلين الاكراد، فانهزم جيش بغداد، بعدها اتجه الشاهزاده نحو كركوك غير أنه لم يرد أن ينال أي خسائر أمامها فتركها ثم توجه الى بغداد حيث وافته المنية وفشلت الغزوة.
خطاب المماليك خلال الحرب لم يكن وطنياً بل كان خطاباً تشجيعياً بينهم للاشادة بأنفسهم وتذكير أنفسهم ببطولاتهم وطبعاً فقد كانوا هم والجنود القادمين من اناضول عماد الجيش ولا وجود يذكر لسكان العراق.
نظرة سليمان فائق بيك لإيران تشبه كثيراً النظرة التقليدية للتيار العراقي الحديث المناهض لايران وأرى أنها جزء من التشكيل الحديث للعراق الذي ظهرت ملامحه في تلك السنوات.