التصنيفات
التشيع الحقبة العثمانية تاريخ مصر خرائط فرق اسلامية

ماذا تعلمت من أطلس التاريخ الإسلامي

اكتشفت كتاب أطلس التاريخ الإسلامي في مكتبة بيتنا عندما كنت في التاسعة من العمر، لم نكن قد أخذنا مادة التاريخ او الجغرافيا لكنني كنت قد بدأت القراءة في موسوعة “المعرفة” فضلاً عما أسمعه في ذلك العمر عن فتوحات المسلمين ودول المسلمين والتي أعرفها بالأسماء ليس إلا. ومع تقدم السنوات ودراسة مادة التاريخ للصف الخامس الابتدائي والتي تبدأ بالتاريخ الإسلامي صار الاطلاع على أطلس التاريخ الإسلامي أكثر أهمية في رسم صورة أدق عن واقع الدول الإسلامية المختلفة. واليوم ما زلت أدين بالفضل لكثير مما عرفته في تلك السنوات المبكرة من عمري ويُمكن أن أحصي تلك الملاحظات والتي عرفتها قبل الانتهاء من الابتدائية كما يلي:

  1. الدول الإسلامية الكبرى كالأموية والعباسية لم تكن دولاً متماسكة على المدى الطويل: يُخيل لكثير من الناس أن الدولة العباسية هي دولة من المحيط الأطلسي الى ما وراء النهر طيلة فترة وجودها، غير أن الواقع إن هذا لا ينطبق سوى على فترة وجيزة تمت من فترة حكم الخلفاء الثلاث الأوائل أبي العباس السفاح، أبو جعفر المنصور وابنه المهدي ويمكن وصف ذلك بأن وراثة لتركة الدولة الأموية ومن ثم يليهم هارون الرشيد وابنيه المأمون والأمين وصراع الأخيرين كان فاتحة الخلافات التي أنهت ذلك الوجود الكبير للدولة. سرعان ما بدأت الأقاليم تبحث عن استقلاليتها، فالمغرب والأندلس لم يخضعا للدولة العباسية بل تمكن الامويون من الاندلس وحكم الادارسة المغرب حيث يُمكن رؤية ذلك في خريطة القرن الثالث الهجري. بعدها استقل الأغالبة عن الدولة العباسية في تونس والجزائر، واحمد بن طولون أسس سلالته الحاكمة بدوره لتشمل مصر والشام والحجاز ثم ظهر القرامطة في شبه الجزيرة العربية فيما كان السامانيون في بلاد ما وراء النهر والصفاريون في النصف الأوسط من ايران الحالية مع إقليم خراسان والسند. أما العباسيون في القرن الرابع الهجري فقد بقي لهم العراقين واصفهان وشيراز. تقودنا تلك الخرائط للنقطة التالية، حيث تتكرر في دول كثيرة وكأنها تمثل الحدود المستندة الى العوامل الطبيعية في العالم القديم.
    أما فيما يخص الدولة الأموية، فهي بذاتها لم يدم حكمها لفترة طويلة ويُمكن مقارنته بالعصر العباسي الأول وأكثر من ذلك بقليل.
    الاستثناء الوحيد في فترة وسعة الدول الإسلامية هو الدولة العثمانية، ولذلك عوامل أوضحناها سابقاً في مقال.
  2. المصير المشترك لمصر والشام والحجاز، العراق وايران: تتوسع الدول الإسلامية ضمن حدود تتشابه الى حد كبير كما أشرنا في النقطة السابقة، مما يضع لأقاليم كثيرة مصيراً مشتركاً قد لا يكون نابعاً من العوامل الجغرافية فحسب بل من التداخل السكاني أيضاً. فيمكن مشاهدة العراق مع ايران ضمن إقليم واحد في الدولة الساسانية، حكم علي بن ابي طالب، الدولة العباسية في عصرها الثاني، الدولة البويهية والسلجوقية، المغول الايلخانية، دول القره قويونلو والآق قويونلو، الدولة الصفوية، ثم لينقطع ذلك المصير التاريخي المشترك بمجيء العثمانيين الى العراق والانفصال المذهبي لإيران عن العراق بعد التحول الإيراني الى التشيع اثر حكم الصفويين.
    أما الشام ومصر والحجاز فقد حُكموا تحت حكومة واحدة مقرها مصر (وتحديداً القاهرة أو الفسطاط)، منذ استقلال احمد بن طولون عن العباسيين، ثم الدولة الفاطمية، ثم الايوبيين، ثم المماليك، ثم جاء العثمانيون ليتغير ذلك المصير المشترك لبرهة من الزمن مع عدم غياب التأثير المصري على الشام (مثل دعم علي بيك الكبير لبعض الاسر في بلاد الشام)، لكن ذلك التأثير المشترك عاد ليفرض نفسه وبقوة في عهد محمد علي أيضاً. ولطالما وجدتها الوحدة المصرية السورية في القرن العشرين مصادفة تاريخية غريبة لإقليم كان له مصير مشترك لفترة طويلة.
  3. النظرة الاوربية لعالم من الأخضر والبرتقالي: لقارئ مسلم تبدو الخارطة بالأخضر والبرتقالي في اطلس التاريخ الإسلامي أمراً يشبه متابعة لعبة شطرنج بهذين اللونين وسيكون هو فيها أحد الطرفين، هذا ما كنت أراه، فأنت تشجع لوناً على حساب الآخر. لونك كمسلم هو الأخضر ولون المسيحيين هو البرتقالي. هكذا رُسمت الموسوعة، ولعل تلك الألوان لا تخلو من نظرة مؤلفي الموسوعة أنفسهم فهم يرون الأمر صراعاً بين عالمين، لا يهم إن تعددت المذاهب او الدول فكلها خضراء أو برتقالية. والغريب بالأمر هو أن الألوان هذه ودليل الخارطة في الأسفل أشار للاحتلال الأوربي بالطريقة المعهودة (أراض إسلامية احتلها المسيحيون). لعل هذه النظرة هي نظرة موجودة لدى كثير من المستشرقين، ولعلها موجودة لدى كثير من الناس بين العالمين، ولعلنا فعلاً عالمين منفصلين، كم من افراد العالمين يرون ذلك؟
  4. 4-       نسب السنة والشيعة: تعلمت من أطلس التاريخ الإسلامي بشكل مبكر نظرة دقيقة عن نسب السنة والشيعة في البلاد الإسلامية، وهو أمر توليه الموسوعة أهمية في صفحاتها الأخيرة المهتمة بواقع المسلمين حالياً.
  5. التواجد الشيعي في الماضي أكبر من الحاضر بكثير: كاد الشيعة لفترة من الفترات أن يحكموا العالم الإسلامي بأكمله، ليسوا شيعة اثنى عشرية، لكنها دول تتبنى مذاهب تحسب اليوم على الشيعة وأبرزها الإسماعيلية قامت دول كثيرة واختفت تدريجياً وخسرت صراع البقاء ولم يبق في النهاية للشيعة سوى ايران واذربيجان وجنوب العراق فيما يتواجدون بشكل أقليات او نسب معينة من السكان في دول كثيرة أخرى. واقع الشيعة مذهبياً تغير أيضاً فلم يبق من الإسماعيلية شيء يذكر الا تجمعات سكانية صغيرة متفرقة بين الدول وهم الذين كانوا تيار الشيعة الأبرز في عهد الدولة الفاطمية، فيما لم يبق من الزيدية الا اقلية لا تذكر في تعداد العالم الإسلامي محتمية بجبالها في اليمن. واليوم نرى أن الشيعة في البلد الذي يتواجدون به بأكبر نسبة صاروا تحت مقامرة سياسية كبيرة يخوضها نظام تخلى عن قواعد الابتعاد عن السياسة.
  6. الجزيرة العربية على الهامش: ولد الإسلام في شبه الجزيرة العربية بمكة، وللدواعي الاستراتيجية نقل علي بن ابي طالب العاصمة الى الكوفة، وكان آخر حدث لعبت فيه مكة دوراً سياسياً هو حكم وخلافة عبدالله بن الزبير الذي انتهى نهاية مأساوية له وللمدينة المقدسة لدى المسلمين. بعدها أصبحت الجزيرة العربية هامشاً في الحياة السياسية في العالم الإسلامي بل وحتى الحياة العلمية، فتواجد أهل العلوم الشرعية صار أقل شيئاً فشيئاً. أكبر ما يصدم المطلع على أطلس التاريخ الإسلامي هو تواجد القرامطة وحكمهم الكامل لشبه الجزيرة العربية لما يقارب الأربعة قرون، حتى الكعبة هدمت خلالها. لاحقاً وكما أشرنا أصبحت الحجاز اقليماً هامشياً تابعاً لمصر، أما باقي صحاري شبه الجزيرة العربية فقد عادت كما كانت أراضي تتواجد فيها القبائل وتحكمها وتعيش فيها بنمط قبلي.
  7. ثقل الإسلام في شرق اسيا كبير جداً لكنه هامشي سياسياً: في نهاية الأطلس يُمكن ملاحظة أعداد المسلمين في العالم ونسب تواجدهم، هناك نسب قليلة من المسلمين في الهند والصين لكن تعداد هؤلاء كبير جداً، أما بإضافة اندونيسيا وبنغلاديش والباكستان فيصبح لشرق آسيا الثقل الأكبر في تواجد المسلمين بالعالم، كل كان واقعاً في الظل، قصص اسلام هؤلاء متناثرة هنا وهناك وهي قليلة ومحدودة وبعيدة كلياً عن الصراعات الطاحنة في الشرق الأوسط. ينطبق الأمر ذاته حول هامشية تلك الأقاليم في سياسة الدول الإسلامية الكبرى مع الأقاليم التي دخلت في الإسلام بأفريقيا ومسلمي افريقيا في العموم، لا يوجد لكل ذلك الجزء الكبير من المسلمين أي مساهمة في التنازع السياسي الإسلامي سواء الداخلي ام مع الأمم الأخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *