قلما نسمع عن الأردن في التاريخ، وفي الواقع إن الأردن إقليم مؤسس حديثاً ولم يعرف سابقاً كوحدة جيوسياسية بهذه الخارطة على الاطلاق. الجزء الغني او الصالح للزراعة فقط في الأردن هو الخط الممتد من اربد شمالاً حتى معان جنوباً مع انقطاعات صحراوية عديدة، وهو إقليم يعد أصغر من فلسطين او حتى لبنان من حيث المساحة وانتاجيته واهميته الاقتصادية اقل من كلاهما. وكنتيجة لهامشية الإقليم هذا وقلة انتاجه فإنه لم يكن سوى مجموعة من النواحي ضمن التقسيمات الإدارية العثمانية (فترة ما قبل الإصلاحات) [ملاحظة: الناحية هي الوحدة الإدارية الثالثة من حيث الصغر بعد مركز الولاية ثم القضاء] باستثناء عجلون فقد كان قضاء وكان تابعاً لمتصرفية حوران التابعة بدورها لولاية شام شريف (دمشق) مثلما تتبع بقية النواحي في الإقليم لدمشق.
تعداد السكان في القرن السادس عشر كان الأكبر في عجلون (1800 عائلة) وتليها الكرك (1200 عائلة)، وتقع معظم الكثافة السكانية والنشاط الاقتصادي في مساحة صغيرة تمتد من عجلون حتى الكرك. فيما يقدر عدد الرحل بـ 1600 عائلة، ومن الواضح ان تعدادهم كبير. يذكر اطلس الأردن أن كثيراً من السكان في الجنوب كانوا يهربون من هجمات البدو ويتجهون نحو عجلون او لمناطق أخرى.
ويذكر أن المنطقة أصابها التدهور الشديد بين القرن السابع عشر والتاسع عشر (امر مشابه لما حدث في العراق)، وان التناقص السكاني عم جميع انحاء الأردن وفلسطين وحوران. المنطقة الوحيدة التي من الواضح انها شهدت زيادة سكانية كانت الجليل في شمال فلسطين فيما لم تتغير كثافة السكان في حيفا. وكانت مناطق مثل الكرك، درعا، غزة، السلط، قد شهدت انخفاض كبير جداً في التعداد السكاني بين القرن السابع عشر والتاسع عشر.
يعزو الباحثون هذا التدهور للسياسة الضريبية العثمانية ولغزوات البدو التي تنامت وغيرت الطبيعة السكانية لمناطق كثيرة في الأردن. حتى في عجلون كان البدو يشكلون ربع السكان. غير ان هذه الأوضاع السكانية توقفت في القرن التاسع عشر وعادت الأمور للتحسن. ولعل للأوضاع المناخية دور في هذا التغير السكاني الواضح لكن هذا الامر لم يتطرق له الباحثون الذين اعدوا اطلس الأردن.
احدى موارد الأردن الدائمة عدا الزراعة كانت عن طريق الحجاج الذين يمرون عبر تلك المدن الفقيرة. وفي ستينات القرن التاسع عشر حول راشد باشا عدداً من النواحي الى اقضية وهم السلط (ضمن متصرفية البقاء) والكرك والطفيلة. وأصبحت معان هي العاصمة والمدينة الأهم عام 1895 في ذلك الإقليم، وكانت سلطة الدولة قد امتدت الى معان في ذلك القرن. ومن الواضح أن عددا من المتصرفيات قد أنشأ.
ويذكر الاطلس أن عمان ووادي السير وجرش قد تم الاستيطان فيها وتأسيسها كقرى إثر مجيء الشركس في سبعينات وثمانينيات القرن التاسع عشر كما أنشئت قرى أخرى شركسية وشيشانية.
في عام 1914، أصبحت نصف أراضي الأردن الحالية تابعة لسنجق معان، والنصف الآخر الشمالي تابعة لسنجق حوران الذي يقع الى الجنوب من سنجق دمشق.
المصدر:
أطلس الأردن – التاريخ، الأرض والمجتمع