التصنيفات
لغويات تاريخية

عبارات الشكر ذات الأصل العربي في اللغات الأخرى

بعد نقاش بسيط مع صديق حول عبارة الشكر بالفارسية والتركية واللغات التركية الشرقية لاحظنا ان الأصل العربي يطغى عليها، فقمت بالاطلاع على عبارات الشكر في لغات عديدة لشعوب إسلامية بعيدة أو لشعوب غير مسلمة قريبة من البلاد العربية متوقعاً أن الأمر يتقاطع بشكلٍ ما مع ديانة الشعوب التي تتأثر في الاستعارة اللغوية من العربية بشكل أكبر أو مع القرب من البلاد العربية وكان التوقع الأول هو الأكثر دقة.

أشرنا للغات التي تستعير عبارة الشكر أو جوابها من كلمة عربية باللون البرتقالي، وباللون الأحمر للغات التي تستخدم كلمة عربية في كل من الشكر وجوابه، أما اللغات التي لا تستخدم استعارة عربية فتظهر باللون الأزرق الغامق.

تمتد خارطة عبارة الشكر العربية لدى غير العرب من ايران وتصل الى المحيط الهادي وتمتد من الهند جنوباً حتى تتارستان شمالاً. ويُمكن ملاحظة أن الاستعارة من المفردات العربية لكلمة الشكر تندرج تحت مجموعات:

  • تشكر: تنتشر عبارة التشكر بين الشعوب الإيرانية باستثناء الكرد والشعوب التركية الى غرب بحر قزوين، فيُمكن ملاحظة عبارة “تشكر مى كنم” لدى الفرس في ايران وأفغانستان وطاجيكستان، كما ترد عبارة “تشكر” لوحدها في البشتو، وترد “تشكرلر” أو “تشكر ادرم” لدى اتراك الاناضول وأذربيجان.

سواء كانت بداية استخدام هذه الكلمة فارسية أم تركية، ففي الحالتين إنها على الأرجح نابعة استخدام طبقة مثقفة، فمصدر “تشكر” ليس شائعاً بذاته لشكر الآخرين بالعربية، بل يتطلب الأمر شخصاً عارفاً باللغة العربية قام بالاستعارة اللغوية لأغراض ثقافية صرفة. ولا نرجح أن من قام بذلك كان تركياً، فبقية الاتراك يقعون ضمن مجموعة أخرى (رحمت) وأرجح الظن أن الاستعارة حدثت من الفرس، ذلك أن الشعوب التركية الأكثر تأثراً بهم ثقافياً تستخدمها، ولاسيما اتراك الاناضول والاذريين وهؤلاء مروا بفترة تمازج ثقافي مع الفرس وكانت اللغة الفارسية لهم لغة للثقافة لقرون عديدة.
أيضاً نلاحظ في المفردات الفارسية كثرة المصادر على وزن تفعل ربما لتناسبها الصوتي مع إمكانية التعامل معها كمصادر أو تحويلها الى أفعال وفق آلية اللغة الفارسية للقيام بذلك بإضافة “كرد” أو “مى كند” أو “كن”. وينطبق الامر مع اللغة التركية التي تضيف تصريفات الفعل المضارع (فَعَلَ) “إديور”.
جواب الشكر في الفارسية ليس عربياً دائماً فيقول الفرس “خواهش مى كنم” كأكثر الأجوبة شيوعاً، ويرد في اللهجة الدارية جواب “قابل تشكر نيست” أي (ليس مما يُشكر عليه)  ويجيب الطاجيك بجواب يحتوي كلمة عربية أيضاً فيقولون (سلامت باشيد) أي (سلمت).

  • منة وممنون: ترد لدى الپشتو كلمة “مننه” للشكر ولا ندري هل هي مشتقة من المنة أم أنها مشتقة من مفردة إيرانية. بالمقابل فإن كلمة ممنون تشيع بين الفيلية واللر واللاريين، وكذلك بين الاكراد السورانيين والكرمانجيين رغم وجود مفردة أخرى أكثر استخداماً بين هؤلاء وهي سۆپاس.
  • رحمت: تشيع كلمة رحمت او رخمت بمعنى شكراً لدى الاوزبك، القرغيز، الكازاخ، الاويغور والتتار في تتارستان وفي القرم. ومن الواضح أنها كلمة عربية. لكنها ترد هنا كشبيه كاذب مع الرحمة. وهذا يحيلنا إلى الظن بأن الشكر دخل لتلك الشعوب من باب ديني وأنه لم يكن له مفهوم مشابه للمفهوم العربي. ولا ندري أيضاً هل دخلهم من العرب أم من الفرس الذين يستخدمون المصطلحات العربية بكثرة مما قد يفسر انحياز الكلمة نحو الشبيه الكاذب. لكن من المثير للاهتمام كيف أن جميع تلك الشعوب تستخدم هذا المصطلح وهي لم تخضع لحكم إسلامي قوي وفي فترات مبكرة، كما أنه من المثير للاهتمام كيف أن تلك الشعوب تقتبس كلمة الشكر رغم الامتداد الواسع لخارطتهم، فهل كان الشكر غائباً كمفهوم بين هؤلاء.
  • شكريه: ترد عبارات الشكر في البنجابي بصيغتين (ميهربانى) أو (شكريه) والأولى إيرانية واضحة، أما الثانية فهي تحمل مصدر الشكر العربي. وترد (شكريه) في الاوردو أيضاً وفي الكشميري، فيما لا ترد في البنغالي عبارة شكر ذات اصل عربي أو جوابها.
  • بارك الله: في ثلاثة من لغات القوقاز التي تدين نسبة من متحدثيها في الإسلام نجد عبارة (بارك الله) كعبارة للشكر، لاسيما في القوميق والشيشانية والتباسران التي تكون فيها عبارة الشكر (اخي بارك الله ايتشفوس) ويتنوع جواب الشكر بحسب تلك اللغات ولا يكون عربياً.
  • سلامات: في حالة غريبة من نوعها نجد كلمة (سلامات) كعبارة للشكر في ثلاث لغات في الفلبين الهليغاينون والبيكول والآكلان (ينطقونها سيامات)، رغم أن متحدثي هذه اللغات ليس فيهم اغلبية مسلمة سوى شعب واحد منهم وهو الهليغاينون. الجوار الاندونيسي يستخدم سلامات او سلامت في عدد كبير من عبارات التحية والتبريك وربما يكون هذا هو سبب الانتقال.

أما غير المتأثرين بالعربية في عبارات الشكر فهم البلوش والاكراد السورانيون والكرمانجيون، رغم تواجد هؤلاء ضمن محيط يستعير الكلمة العربية في عبارة الشكر. وعلى الصعيد الإسلامي فإن الافارقة المسلمون من غير الناطقين بالعربية لم يستعيروا كلمة عربية للشكر، كما لم يفعل الامازيغ ذلك، وهكذا الحال مع البنغاليين والبوسنيين والالبان واللاز.

ولم يتأثر غير المسلمون بالعربية في عبارات الشكر أيضاً حتى ولو جاوروهم، ففي الارامية بتنوعاتها الحديثة ما زالت عبارات الشكر وجواب الشكر باللغة الاصيلة وإن تقاربت اللغة مع العربية، وهكذا الحال مع الأرمن والجورجيين وأمثلة أخرى كثيرة لمن حافظوا على لغاتهم.

كل ما قمنا به قائم على إحصاء بسيط وبالاعتماد على موقع omniglot  الذي اختبرنا دقته فيما نعرف من لغات ولهجات. كما طرحنا بعض الفرضيات والتساؤلات البسيطة ولا ندري إن كان الموضوع مطروحاً في البحوث أم لا. لكن تبقى أسئلة بحثية كثيرة مرتبطة بهذا الأمر مثل:

  • هل يُمكن أن تفتقر لغة لعبارة الشكر او ان يكون له مفهوم مختلف فيتم اعتماد الاستعارة اللغوية؟
  • هل يرتبط مفهوم الشكر بالعبادة وشكر الإله الى درجة يكون فيها أكبر من شكر البشر؟ عندئذ يكون الدين مؤثراً في استعارة عبارة الشكر من اللغة الرئيسية للعبادة في الدين الإسلامي وهي العربية.
  • هل هناك بعد ثقافي / بيئي يجعل بعض الشعوب تحتفظ بعباراتها للشكر ولا تعتمد الاستعارة وإن كان للشكر مفهوم ديني؟ أي فيما لو كان مفهوم الشكر في بعض اللغات مثلاً مستقلاً عن الشكر الديني. مثلاً، شكر الله في العربية هو الحمد بينما لشكر الناس عبارات أخرى.
  • هل استخدام الكلمة العربية المستعارة للشكر مستقل عن جميع ما طرحناه وهو خاضع فقط لنسبة الاستعارة؟ في الحالة الكردية مثلاً فإن الاستعارة من العربية قليلة بشكل عام بعكس التركية الاناضولية والفارسية، لكن هذا لا ينطبق على اللغات التركية الأخرى.
  • متى حدثت تلك التغيرات؟ وهل حدثت كنتيجة لمخالطة العرب أم الترك والفرس الذين جلبوا مصطلحات عربية معهم؟
  • هل حدثت تلك التغيرات نتيجة مخالطة التجار أم نتيجة الحكم المباشر أم نتيجة التعامل مع الدعاة والمبشرين المسلمين؟
  • ينبغي توسيع البحث ليشمل عبارات شكر الله أيضاً، فكلمة شكر موجودة مثلاً بين الأكراد للتعبير عن شكر الله فقط. عندئذ ستتضح الصورة أكثر حول العلاقة بين شكر الله وشكر البشر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *