كتاب العاقل تاريخ مختصر للنوع البشري هو عصف ذهني كبير يتناول التاريخ بطريقة مغايرة عن الكتب التاريخية التقليدية، فهو قلما يتناول مواقف سياسية وتاريخية بل يحاول قدر الأمكان أن ينظر للإنسان ككائن حي عاش على كوكب الأرض طيلة مئات الآلاف من السنوات. تاريخ العاقل ينبغي أن يبدأ بالأنواع السابقة له وأن يتضمن على قدر ما وجد من الأبحاث القليلة حول تاريخ الانسان في الفترات السحيقة والتي تمثل معظم التاريخ الفعلي للبشر. غير أن الكتاب يغلب عليه الطابع الأيديولوجي والصفحات والفصول الطويلة في محاكمة البشر وتاريخهم وفقاً للفكر المعاصر السائد في الغرب اليوم.
عندما أتكلم في التاريخ بشكل عام، فإن من الاصدقاء من يخبرني بأن علي القراءة ليوفال نوح حراري وأنني قد التقي معه كثيراً. للأسف لم أجد بهذا سوى هيئة سطحية تتمحور حول الطريقة الحديثة بالنظر إلى التاريخ من رؤية سيكولوجية، بيولوجية، سياسية ومناخية معاً، ورغم أن حراري يتطرق لهذه المحاور المختلفة غير أن العشوائية و”الخيال” هما الرابط الأوحد له في السرد التاريخي وهو لا يستخدم هذه المحاور إلا كمعين في التشويق والاثارة في السرد.
يبدأ الكتاب بعرض جيد لأنواع البشر وهجراتهم وخروجهم من افريقيا، ويناقش بشكل جيد الفرضيات والحقائق حول تزاوج العاقل مع أنواع البشر الأخرى، أي مع انسان دينيسوفان في سكان استراليا، ومع الانسان المنتصب في آسيا، ومع النياندرتال في اوربا والشرق الأوسط ومناطق أخرى. لا يحسم حراري النقاش حول الأمر لكنه يقول أنه يستحق النظر وأن الأدلة فيه لاسيما في تزاوج العاقل مع النياندرتال لا يمكن التغاضي عنها. ويذكر حراري العواقب الكبيرة للاعتراف الكامل بهذا الأمر والتي ستؤدي الى اعتبارنا متباينين جينياً والذي قد يعطي مبرر طبيعي للعنصرية بحسب حراري، وهذا سيكون هاجس حراري في الكتاب للكثير من الصفحات.
ينتقل حراري بعدها مباشرة إلى ما يدعوه “الكيانات الوهمية”، حيث يذيب حراري جميع الفروقات بين البشر والكيانات التي يقيمها البشر إلى “الخيال” فحسب، والسبب الوحيد لذلك هو الفكر، كما يعزو كثيراً من التحولات الكبرى في تاريخ البشر إلى الفكر فقط! في الكيانات الوهمية كما يدعوها لا يتطرق حراري مثلاً إلى الدول والأديان والقوانين على أنها أنظمة تحاكي ما لدى حيوانات أخرى إلا بشكل غير مباشر، بل يتكلم فقط عن الخيال البشري ودوره في صنعها.
دور العقل كبير جداً بالنسبة لحراري وبالنسبة للآراء التي يصطف بجانبها، فالطفرات الذهنية التي حصلت في عقول البشر هي التي مكنت البشر من العودة مرة ثانية لسحق النياندرتال والتغلب عليه وابادته بعد ان غزا البشر مواضع سكنه وتراجعوا في الفيات سحيقة.
بدايات الانسان
الانسان كان لعشرات الآلاف من السنين كائناً هامشياً مجرداً من أي قدرات ولا يقع موقعاً متميزاً في السلسلة الغذائية، حيث يتكلم حراري عن فترات كان فيها البشر يأكلون نخاع العظم بعدما تصطاد المفترسات العليا في السلسلة الغذائية وبعدما تأكل الضباع ليأتي الانسان ويفتح العظام بيديه ويتغذى على نخاع العظم. لكنه تقدم بعد ذلك بفضل آلاته وذكاءه فصار الأعلى في السلسلة الغذائية.
حراري معجب جداً بالفترات السحيقة تلك، وهي خصبة لإضفاء أي فرضيات ممكنة. مثلاً يعرض لنا حراري أن نظام الأسرة الشائع لم يكن معروفاً إذا ما كان مشاعاً جنسياً بين افراد القبيلة أم أسراً نووية تتكون من الأب والأم والأبناء. لا يقف حراري مع أي فرضية لكنه يجعل من فرضية المشاع الجنسي فرضية مساوية للأخرى.
هناك الكثير من السرد الممتع حول تصورات عن حياة البشر في الالفيات السحيقة، يرويها حراري مستنداً إلى دراسات أقيمت على الهياكل العظمية التي كان يتم ايجادها. يروي حراري هذه التفاصيل بتجرد وكما وردت في الأبحاث غير أنه ينحو منحى عام يُظهر فيه الانسان متخبطاً في قراراته (التي لها دور كبير فيما صار إليه) وشريراً سيئاً تجاه البيئة والكائنات الأخرى وتجاه نفسه.
انقراض الكائنات
مع ذلك فمن الصعب أن نختلف مع حراري في دور الانسان بانقراض الكائنات الحية في الأماكن التي يغزوها لأول مرة، فالحيوانات في استراليا انقرضت بنسبة 90% مع وصول الانسان العاقل اليها، وهذا لا يمكن عزوه للطبيعة التي صادفت منها هذه الكائنات الكثير مثل الجفاف والعصور الجليدية لكنها لم تنقرض بنفس المعدل الذي انقرضت به عند وصول الانسان. بالمقابل فإن الحيوانات البحرية التي كانت تنقرض ضمن الموجات المناخية الشديدة لم تنقرض ضمن فاصل الـ 45 الف سنة في استراليا حينما وصل البشر الى هناك لأول مرة. يمكن ملاحظة الأمر بوضوح أيضاً عند وصول الاوربيين الى نيوزيلندا قبل 200 سنة. عندما وصل البشر الى استراليا قبل 45 الف سنة فإن 23 من اصل 24 من الحيوانات التي تزن ما يزيد على 50 كيلوغرام كانت قد انقرضت. ليس بالضرورة ان يكون نمط الانقراض والتناقص السكاني كبيراً في تلك الحيوانات عند غزو أناس بدائيين للقارة، لكن قتل دب واحد من دببة الدبروتودون سنوياً سيكون كفيلاً باحداث الانقراض في النوع خلال بضعة آلاف من السنوات. نفس ظاهرة الانقراض حدثت في الامريكتين عندما اجتاحهما البشر قبل فترة تتراوح بين 14 الف الى 10 الاف سنة من الآن. حيوانات عاشت لـ 30 مليون سنة انقرضت مع وصول البشر إلى هناك وانهارت معها سلاسل غذائية كبيرة.
مع ذلك، يترك حراري الباب مفتوحاً لتأثير المناخ أيضاً فيُمكن أن يكون التغير الحاصل في المناخ أكثر قسوة ليؤدي إلى دور أكبر في الانقراض لكن هذا لن يلغي دور الانسان.
الثورة الزراعية
حول الثورة الزراعية، يرى حراري أن الزراعة كانت قراراً فحسب! ليس هناك شح وليس هناك أي مشكلة في نمط التغذية في الصيد والجمع البشر فقط قرروا أن يصبحوا مزارعين وقد اكتشفوا ذلك بعد اكتشافهم لإنبات القمح. لا يبدو الأمر كافياً، فأول ما سيتبادر للذهن هو أن الصيد والجمع لم يعودا كافيين لذا انتقل الانسان للزراعة، مثلما ما زال الصيد والجمع مقبولاً في بعض المناطق ولدى بعض القبائل التي تجد حيوانات تصطادها وثمار تجمعها، لكن ماذا لو فقدت تلك الحيوانات والثمار نتيجة تغير مناخي؟ انها الزراعة أو الزوال.
أيضاً لو أتينا لافتراض حراري بأن الزراعة كانت مجرد قرار، وحدثت لأن البشر قرروا ذلك، ألم تكن الغابات موجودة والحيوانات موجودة ويمكنهم صيدها؟ ما الذي سيحول دون النمط الهجين إذاً؟ لابد أن يكون النمط الهجين موجوداً لفترة ما وبذلك ما العيب في عودة الانسان عن قراره الخاطئ؟ أو أن الزراعة كانت الخيار الوحيد للحياة. حراري لم يتطرق لهذا التحول وهو يختصره بأنها قرار خاطئ.
يذكر حراري أن الزراعة كانت أمراً سيئاً لتغذية البشر وللصحة لو قارنناها بالجمع. فضلاً عن صعوبة حياة الزراعة وتأثيرها الضار على الركب والعمود الفقري وطول فترة العمل وقصر فترة الراحة. ويقول إن العنف لم ينخفض مع اعتماد الزراعة بل ربما صار أكثر من ذي قبل.
يركز حراري على نظام الزراعة وما يرتبط به بشكل سطحي فيذكر أن فائض الضرائب الزراعية كان يذهب إلى الطبقات المترفة والجنود ويعرض الموضوع بطريقة اشتراكية نوعاً ما. ليس وكأن حماية المزروعات كانت أمراً مطلوباً، أو أن وجود جهة تقوم بمشاريع اكبر للري هو أمر مطلوب (وهذا ليس جديداً فالحكومات العباسية والساسانية وحكومات مصر كانت تقوم بمشاريع ري بمختلف الحقب). إنه ليس فقط تسلط غير مبرر وجنود وعنف وسلطة، هناك غرض ومتطلبات لذلك وحراري لم يركز على الأمر.
الخيال لاختزال كل شيء
عودة الى الخيال وهو المفتاح لتفسير كل شيء والصندوق الذي يختزل به حراري كل شيء. يبلغ الأمر درجة أن اختزال الرجولة والأنوثة بالخيال البشري فقط بل ومفهوم الجنسين بحد ذاته هو خيال! يختزل حراري جميع الفروقات بين الجنسين ويقلل من شأنها من حيث التباين في الهورمونات وكل ما يترتب عليها وإن الأمر مرة أخرى هو خيال بشري.
التقسيمات الاجتماعية، والقوانين والأديان والجنسين والاتفاقيات، كل ذلك خيال. نعم بعض هذه الأشياء ليست مادية، لكننا لا ننتظر من حراري أن يخبرنا أنها ليست مادية كالقوانين، فالقانون لا يُلمس، لكن لا يعني هذا أننا لن نحلل القوانين ولن ننظر الى طبيعتها واختلافاتها بين الشعوب وسنقول أنها خيال بشري فقط. ألا توجد نظم تخيلية مشابهة لدى الحيوانات؟ هل القطعان أيضاً كيانات وهمية؟
هناك أيضاً الكثير من اللوم والتقريع للبشر وللتاريخ البشري بأكمله على قضايا العبودية والتقسيمات الاجتماعية والتباين الجنسي وانكار الميول الجنسية الأخرى وانتهاك حقوق الحيوانات، ومرة أخرى نحن لا نحتاج لمن يخبرنا أن العبودية سيئة هنا، نحن نريد أن نفهم أكثر، لا أن نقول أنها كانت أمراً تخيلياً وأنه اختفى بقرار بشري. صفحات كثيرة من فصل (التاريخ غير العادل) لم تكن سرداً تاريخياً وخلت من أي معلومات مفيدة كانت فقط حافلة باللوم لتاريخ البشر.
الامبريالية
ينتقل حراري بعدها لمحاكمة الامبراطوريات، وتحديداً الامبراطوريات الاوربية لكنه يتوقف عند الفوائد التي جنتها الشعوب منها ويقول أن محاولة اجتثاث الإرث الامبراطوري كلياً عن الشعوب التي كانت محتلة سابقاً وسيؤدي ذلك الى وأد الكثير من الأمور الجميلة ويعبر عنه بأنه “لا يمكن استئصاله دون قتل المريض”. لا ندري هل كانت الامبراطوريات الأخرى كالإمبراطورية العثمانية او امبراطورية المغول الايلخانية تتضمن شيئاً من هذه الميزات وهذا الإرث؟ لماذا لا تنال معظم الامبراطوريات التي لم تترك شيئاً جيداً مثلما تنال الامبراطوريات الاوربية منه من نقد؟
في فصل الأديان لا شيء مثير للاهتمام، تخلى حراري قليلاً عن تكرار مبدأ “الخيال” وهو يستشهد بتصنيفات معينة للأديان رغم أنه ينظر لها نظرة واحدة. ويرمز للميول الإنسانية الحديثة على أنها دين لعبادة الانسان ويقول إن الإنسانية التطورية هي أحد هذه الأنواع وأن معظم المنتمين لها هم من النازيين.
يسهب في نقد العنصرية بشكل عام والنازية بشكل خاص، وهو يرى أن تقييد الهجرة هو صنف من النازية وهو سياسة للحيلولة دون تدنيس العرق الآري وكأن قضية الهجرة خالية من أي أبعاد أخرى ويركز في ذلك على الدول الأمريكية كما يسميها ويذكر لندن وواشنطن وكانبيرا، ويوحي بأن هؤلاء متأثرين بالدراسات التي تقول بذكاء البيض وأفضليتهم بالذكاء على السود. ما العلاقة مع قضايا مثل هجرة المسلمين؟ يقول حراري أن العنصريون غيروا خطابهم هنا قليلاً ليحولوه إلى الكلام نمط الحياة والثقافة وهو ما يراه حراري قناعاً للنازية. فهو يرى الثقافة اعتباطية أيضاً ويصفها بأنها “طفيليات عقلية” تظهر وتتشبث وتبقى بين الناس.
الرأسمالية
يتناول حراري الرأسمالية، ويرى أن تداخلاً حدث بين العلم والصناعة والتقنية العسكرية في العصر الحديث مع “ظهور النظام الرأسمالي” على حد تعبيره ليتوجه العلم لصناعة الأسلحة. وهذا قد لا يكون صحيحاً، استشهاده فقط باستخدام الصينيين للبارود في الألعاب النارية. لكن هل كان العلم مفيداً قبلها لتتم صناعة أسلحة أخرى؟ ألم يستخدم البشر ما بأيديهم من قليل الحيلة في صناعة الرماح والأدوات الحادة منذ أيامهم الأولى؟
ثم يتسائل حراري، لماذا اوربا؟ لماذا حدث ما حدث في أوربا فقط لتكون الأمم الاوربية متفوقة على العالم؟ السبب هو الرأسمالية. الرأسمالية هي السبب في تقدم أوربا العلمي الحديث. طبعا يمثل هذا نظرة أحادية جداً لا تنظر لواقع الطرف الآخر والانحطاط الذي يعيش به. الطرف الآخر بالنسبة لحراري هم المسلمون والصينيون والهنود. وهو يحاول ان ينفث الروح فيهم ليجعلهم مرادفين للاوربيين في نفس الفترة لكن دون رأسمالية تعزز ذلك المنتج العلمي في اوربا مما يجعلها تتقدم. فيتسائل حراري مثلاً عن عدم غزو العثمانيين للعالم الجديد وكأنهم متفضلون بعدم امبرياليتهم وعدم غزوهم للعالم الجديد؟ هل يعرف شيئاً عن العثمانيين؟ متى يا ترى عرفوا باكتشاف العالم الجديد؟
يفتح حراري الباب أمام النقاش بين فوائد ومضار الامبريالية ويميل بشكل واضح إلى المضار من خلال سرده.
ومثل الزراعة التي كانت حيلة كبيرة وخدعة وقرار خاطئ، فإن الاقتصاد الحديث بالنسبة لحراري هو هرم بونزي (تسويق شبكي) أو عملية تخيلية ضخمة للأموال. لأن الأموال الموجودة وهمية. تتلخص هذه الكذبة بالائتمان. الاستثمار في العلم يفتح الباب لإسناد قيمة العملات التي تطبع دون قيمة. أي اكتشافات في النانو او الطاقة البديلة ستفتح سوقاً جديداً وتعطي ذريعة جديدة لـ “النمو”. والنمو هذا غير ممكن بحد ذاته في إطار محدودية الموارد (لا يرغب أحد بدفع الضرائب لكن الجميع مستعدون للاستثمار).
ليست المشكلة في الاقتصاد الحديث والنمو الاقتصادي هي بالاحتيال فقط بالنسبة لحراري، فهو يرى أن النمو الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق دون خروقات أخلاقية مثلما حدث مع جلب العبيد للعمل في حقول أمريكا. فضلاً عن سياسات استعمارية أخرى أدت إلى مقتل الملايين.
العائلة
ينتصر حراري للعائلة ويذكر ما عانته تحت التحولات الحديثة من تفكك ولعل أكثر شيء مثير للاهتمام قرأته في الكتاب كان مخططاً يشير إلى العلاقة بين الفرد، الدولة والسوق، والأسرة. حيث يقوى الأفراد مع الدولة والسوق فتضعف العائلة في نموذج. ويضعف الأفراد مع الدولة والسوق فتقوى العائلة في نموذج ثان. فكرت لوهلة ماذا لو كانت العائلة كبيرة جداً كالعشيرة مثلاً؟ أين سيكون الفرد والسوق والدولة؟ الأمر الآخر المثير للاهتمام هو أنظمة العقاب الجماعي للعائلات التي كانت شائعة في الماضي (وما زالت شائعة في دولنا) وذلك كعلامة لانخفاض قيمة الفرد وارتفاع قيمة العائلة.
الحروب
في مقارنة الحروب والنظرة الوادعة للعالم من حيث قلة الحروب بين الدول يقلل حراري من شأن الانقلابات والحروب الاهلية فيخصص لافريقيا ثلاثة أسطر يذكر فيها انه لم تكن هناك حروب تذكر لكن كان هناك الكثير من الانقلابات والحروب الاهلية بعد الاستقلال. ماذا عن مجازر مثل الكونغو او رواندا او اوغندا؟
أسباب قلة الحروب عند حراري تتلخص في ارتفاع كلفة الحرب، والكلفة الانتحارية لها مع وجود السلاح النووي، ثم يشير إلى تغير مواضع الثروة من النهب والتوسع إلى أمور تعتمد على رأس المال البشري والهياكل الاجتماعية الاقتصادية التي “لا يُمكن دمجها بأقليم واحد”. لكن الحروب مثل غزو الكويت يُمكن أن توجد في المناطق التي لا يزال فيها نمط الثروة قديماً. باختصار، أصبح السلام اليوم أكثر ربحاً من الحرب بالأمس كما يوضح حراري.
عودة أخرى الى وهم الاستقلال. ما نعيشه هو دول تقع ضمن امبراطوريات ضخمة. تصور جميل وكان يُمكن أن يعكسه حراري أيضاً على مشروعية التدخلات العسكرية في عوالم أخرى لا تعيش ضمن هذه الإمبراطورية.
السعادة
يمكن تصنيف الجزء الذي يتكلم فيه حراري عن السعادة قرب خاتمة الكتاب ضمن أي تصنيف آخر سوى التاريخ. رغم ذلك فهو كلام مثير للاهتمام وفيه نزعة تاريخية بسيطة في تغطية مسيرة الانسان الطويلة. السعادة أمر مختلف فيه وأحد المفاهيم الشائعة عنها مع ثقافة الاستهلاك التي ينتقدها حراري هي أنها المزيد من اللذات فحسب. لكن حراري يقف عند أسباب كثيرة للسعادة ناقشتها دراسات نفسية مثل العلاقات الاسرية والروابط الاسرية والزواج الناجح وغيرها. الاعتياد على المآسي وعلى الأشياء الجيدة يوصل البشر لنتائج مشابهة ولنوع من الاستقرار أي أنه لن يؤثر على سعادتهم. وسقف تفاعل البشر وردود افعالهم من هورمونات وردود فعل دماغية تنحصر بسقف محدود وقد تأتي خيمة صياد في قبيلة بدائية نفس السعادة التي يأتي بها بيت فخم لمصرفي غني. ويستشهد حراري بأقوال وحكم لبوذا حول ارتباط المعاناة بالرغبة أو ارتباط التوق بالمعاناة وشروحات مشابهة.
خلاصة
كتاب حراري ليس كتاباً للتاريخ وليس كتاباً يحمل الكثير من المعلومات المدهشة والمشوقة، إنه كتاب يعرض قضايا عديدة شائعة في العالم اليوم ويستعرضها من وجهة نظر تاريخية أحياناً. الكتاب مفيد للتوجيه الأيديولوجي لمراهق يتراوح عمره بين 12 و 18 سنة نحو أيديولوجيا معينة في القضايا الجندرية، نقد الاستعمار والامبريالية، نقد الرأسمالية، نقد ثقافة الاستهلاك، نقد السوق الحر، تعزيز حقوق الحيوان، نبذ العنصرية، تغيير النظرة للجنس، تذويب التقاليد والثقافات والقواعد الأخلاقية والقوانين والتقسيمات الاجتماعية وافتراض طواعيتها الكاملة لخيارات البشر.