الكاتب الين ادورادس (Allen Edwardes) شخص مثير للجدل ومن النموذج الذي ينتقده ادوارد سعيد من المستشرقين الذين ينقلون صورة معينة غير دقيقة عن الشرق وفق رأي البعض. ولد الكاتب عام 1939 وهو يتحدث عن تفاصيل ليست على الأقل أكبر بـ 100 سنة منه أي أنه جمع تصورات وأفكار من سابقين وجمعها في كتاب يعرضها فيه وكأن رحالة سافر الى مصر والسودان والعراق وايران ومر سابقاً بتركيا. بشكل عام لم نجد في محتوى الكتاب شيء خيالي أو وهمي وقمنا بالتحقق من بعض الطقوس الغريبة الموجودة واذا ببعضها موجود إلى يومنا هذا. سأحاول هنا أن اتوقف عند بعض المشاهد التي يذكرها الكتاب.
الاخصاء الجماعي
أول المشاهد وأكثرها فزعاً هو حفلات الاخصاء الكبرى باسواق العبيد في الخرطوم. تبدو الخرطوم وكأنها نقطة التقاء لعدد كبير من تجار العبيد وصيادي العبيد الذين يبيعون بضاعتهم هناك. يتجه العرب والأتراك نحو المناطق النائية والقاصية في العمق الأفريقي وينقضون بشكل مفاجئ على تجمعات بشرية للسود فيقتلون الرجال ويأخذون النساء والأطفال معهم ليواجهوا مصيراً آخر. الآلاف من الأطفال يموتون نتيجة فشل عملية الاخصاء التي تنجح بنسبة 10% فقط وتتضمن تلك العمليات قطع الخصيتين أو القضيب أو كلاهما. صرخات الأطفال تتعالى وسط المحيط الذي يعج بصرخات التجار والتفاوض حول الأسعار من قبل الزبائن وتكاد تضيع تلك الصرخات وسط الضوضاء. في نهاية الأسبوع يتعافى عدد قليل من الصبية ويغدو هناك تلٌ من الجثث يفترض الكاتب أنهم يتم رميهم في النيل ولا ندري إن كان ذلك قائماً على مشاهدات حقيقية أم لا.
يستدرك الكاتب مدافعاً عن الإسلام بأن الدين الإسلامي حرم هذه الممارسة لكن احداً من المسلمين لم يلتزم بذلك بل قال البعض أنهم من الممكن أن يشتروا الخصيان وأنهم لم يقوموا بإخصائهم. لكن ذلك أدى إلى ادامة تلك التجارة البشعة. لماذا نتقبل ذلك المشهد ولا نعتبره صنفاً من الاستشراق المغرض؟ ببساطة لأننا نعلم تماماً من كتب التاريخ وكتب الفقه وحتى من السرد الذي نسمعه من التاريخ القريب أن الخصيان السود كانوا موجودين بكثرة. ويطرح أيضاً تساؤل آخر، وهو لماذا ليس لدينا تعداد كبير للسود في البلاد العربية تحديداً رغم شيوع تجارة العبيد ورغم قربنا اقليمياً من افريقيا. هل الاخصاء هو السبب؟ لا إجابة، لكن الوقوف أمام تلك الحقيقة ضروري سواء كانت تلك الرواية مشكلة من روايات أخرى أم حقيقية كلياً. ينادي رجل جاء ليشتري لملك مصر مجموعة من الخصيان، فيرد عليه الرجل الذي يقوم بعملية الاخصاء بأنه لم يبق سوى بضعة صبية، لقد مات الآخرون.
الشذوذ المشرعن في التكايا البكتاشية
يكثر الكلام عن الشذوذ لدى الانكشارية في المصادر التاريخية ويشيع الافتراض بأنهم كفتيان اوربيين أو قوقازيين ليس لهم ولي أمر بما أنهم تم شراؤهم أو خطفهم وأنهم يعيشون مع مشايخ بكتاشية غير ملتزمين بالإسلام التقليدي ويعيشون في التكايا بطريقة شبيهة بالرهبنة فالناتج إذاً هو حالات من الاعتداء الجنسي على هؤلاء وشيوع طقوس مماثلة بين الفتية انفسهم حتى يصبح الجيش الانكشاري بأكمله ناتجاً لتلك التربية ويصبح أفراده شواذاً مكتسبين لذلك عبر اتخاذه السبيل الرئيسي للمتعة الجنسية في فترة شبابهم. لكن للكاتب رواية مختلفة قليلاً.
يسرد الكاتب هنا حواراً مع أحد مشايخ التكيات هذه والذي يشرح بأن الممارسات المثلية ليست استثناء أو خرق أو اعتداء بل هي تقليد يهدف منه اصلاح هؤلاء. يتعاون الفتية فيما بينهم في امتاع بعضهم البعض بشكل يجعلهم في غنى عن النساء. يتم ضغط العضو الذكري بطريقة من قبل بقية الفتية بحيث يصبح الشخص غير قابلاً للتمتع مع النساء وبذلك ووفقاً لذلك الشيخ فإن الشذوذ الجنسي هنا يعتبر ممارسة إصلاحية ولا اذكر تحديداً هل كان الضغط على العضو الذكري بالأيدي أم بالممارسة الجنسية الكاملة من الدبر. يقول الشيخ أن الفتية يسمح لهم بمعاشرة النساء لمرة واحدة في الشهر لكن أحداً منهم لا يفعل ذلك بعد اعتياده على تلك الممارسة.
ليس لدي تعليق على هذا الأمر، الأمر غامض وهذا اللقاء من الصعب حدوثه لا من شخص ولد في عام 1939 ولا من أشخاص نقل أو كتب عنهم. فهل هذا هو تخيله أم أنه ورد في مصدرٍ ما؟ لا تعليق. لكن بغض النظر عن كون الشذوذ الجنسي مشرعاً أم لا، فوجوده في تكايا البكتاشية ولاحقاً في صفوف الجيش الانكشاري يعد أمراً ثابتاً.
بشكل عام يسرد الكاتب أن العراقيين والإيرانيين لديهم ممارسات جنسية ثنائية، وأن العربي بشكل عام يفضل الفتية على النساء.
الختان وطقوسه الغريبة
الملاحظة الأخرى التي استوقفتني هي صنف من أصناف الختان يذكره الكاتب ويصف وجوده في شبه الجزيرة العربية، باختصار يعرف الطقس بالسلخ، حيث لا يقتصر على قطع جزء صغير من الجلد في العضو الذكري بل بسلخه. ويتخلل ذلك الكثير من التعذيب للمختون ولا يتم ذلك الا وهو شابٌ بالغ. المفاجأة كانت بأن هذا الطقس موجود. هذا المقال مثلاً يتكلم عن تلك الطقوس لدى هذيل، وعندما سألت محمد عطبوش صديقي من اليمن قال بأن طقوساً مشابهة قد تكون باقية في اليمن حتى السنوات العشر الماضية وقال لي صديق آخر من جنوب العراق أنه سمع عن طقوس مشابهة من الجيل السابق وأنها تتم أمام الفتيات ويجب على الشاب أن لا يصرخ ولا يبكي والا فسيعاب عند الزواج وقد لا يتزوج. وقد ذكر هذا في الكتاب أيضاً.
الختان عند المصريين والأتراك ليس ختاناً كاملاً ولا يعترف به العرب ويعيبون على المصريين والأتراك ذلك. هذا بحسب الكاتب ولم أتحقق من الأمر.