لمحاولة إعادة رسم الشرق الأوسط لو لم يكن فيه نفط علينا أن نفكر كثيراً في القرارات التي اتخذت على أساس المعرفة بوجود النفط، القرارات والإجراءات التي حدثت لاحقاً بناءاً على وجود النفط، ما تغير في واقع الدول كنتيجة لوجود النفط.
الخليج هو أكثر الأماكن تضرراً، دون النفط سيصبح أراض شبه مأهولة وبالكاد لها أي قيمة، فقيمتها الوحيدة في القرون الخمس الأخيرة كانت بكونها موانئ في الطريق نحو الشرق وهذا الشيء سيبقى موجوداً لكن المشكلة فيه أن البدائل والخيارات كثيرة وأن هذا بحد ذاته لا يمكن أن يعيل تلك البلدان مثلما يفعل النفط. باختصار لن تكون تلك الامارات الصغيرة موجودة وسترغب القرى التي ستكون موجودة محلها أن تضم الى العراق او الحجاز او عمان وهؤلاء أيضاً لن يكونون بأحسن حال بل سيكونون دولاً فقيرة جداً مع عدم وجود مورد سوى الزراعة.
مشروع اسرائيل ونشوء الصهيونية كان قائماً مع او دون نفط، ربما كان حل الدولتين سيتم تعجيله أكثر بالنظر لانخفاض شهية الدول الغربية في الخوض في شؤون المنطقة واستمرار دعم إسرائيل المطلق لكن مشروع إسرائيل سيكون موجوداً وهو يتعلق بمصر بالدرجة الأساس وبفصلها عن المشرق العربي. الأردن هي نتيجة لمشروع إسرائيل وليس من المناسب الحاقها بالحجاز وهذا أيضاً حصل حتى عندما كانت مملكة الحجاز تابعة للشريف حسين.
الحجاز ستمتد نحو الشرق بدلاً من العكس، وستكون العاصمة في جدة فيما تبقى بقية المناطق في الشرق هامشية جداً وبالكاد مأهولة. المنطقة الشرقية بسنتها وشيعتها ستلحق بالعراق وسيزداد سكان البدو في العراق. الكويت ستبقى قضاء هامشي تابع للبصرة ولن يكون هناك هدف أو جدوى من استقلالها ولن ترغب بذلك وكذلك الحال مع الاحساء.
قرار الانجليز بالحاق ولاية الموصل بالعراق كان قد حدث بعد اقناع الاتراك باعطاءهم نسبة من نفط الموصل، وتمسك الانجليز بالمفاوضات مع الاتراك حول الموصل كان بالأساس قائماً على كون هذه المناطق نفطية وستعزز اقتصاد العراق الضعيف أمام جيرانه. دون النفط لن تلحق بريطانيا هذه المناطق بالعراق وان الحقتها فستحتلها تركيا مثلما احتلت الاسكندرون في سوريا بالاتفاق مع الفرنسيين.
الجانب المتعلق بإقامة كردستان أو عدم اقامتها كدولة مستقلة كان بحسب المس بيل راجعاً الى الهدف بجعلها منطقة عازلة بين العراق وتركيا، وكأن الانشغال بكردستان ومشاكلها من الطرفين يجعل الطرفين يغضون النظر عن المشكلة الأكبر وهي رغبة تركيا بالزحف جنوباً نحو امتدادها القديم. هذا الجانب سيبقى موجوداً حتى مع الحاق كردستان العراق بتركيا بل سيساعد على تضخيم المشكلة الكردية داخل تركيا وبالتالي اشغال تركيا عن احتلال العراق لما يكفي من الزمن.
لكن هذا السيناريو بالتحديد ليس مؤكداً بالكامل لدي فليس من المانع أن تلحق المناطق الكردية فقط بالعراق وتعطى الموصل لتركيا لاسكاتها أو العكس باعطاء الموصل للعراق والمناطق الكردية لتركيا، في جميع الحالات يمكن للاكراد لعب دور المنطقة العازلة. ولن يكون لدى الانجليز ما يكفي لردع الاتراك عن عدم احتلال الموصل بعد 10 او 20 سنة من مغادرتهم للمنطقة. لكن علينا ألا ننسى أيضاً أنه دون نفط فإن شهية تركيا لاحتلال العراق لن تكون بنفس القدر، يمكن للعراق أن يوفر لتركيا شيئاً واحداً فقط وهو طريق بحري أقصر نحو الشرق. أيضاً ليست نسبة السنة في العراق مشكلة كبيرة فها هم العلويون يحكمون سوريا منذ نصف قرن وهم أقل من سنة العراق عدداً، وربما لو كان الخوف الأكبر على العراق من تركيا فقد يجدر بالانجليز اختيار حاكم شيعي، فايران لن تحقق الكثير من الفوائد من العراق حينها فكل ما يمتلكه هو ساحل تمتلك مثله، فضلاً عن القليل من الإيرادات من المراقد المقدسة.
خارطة بلاد الشام ومصر تعتمد بشكل كبير على الحدث الكبير وهو نشوء إسرائيل في المنطقة وليس على اعتبارات قائمة على النفط فالمنطقة تكاد تخلو كلياً من النفط وبالتالي فإن كل شيء سيجري بشكل مقارب لما هو عليه الآن دون نفط. لم يؤثر النفط العربي في الشرق على بلاد الشام ومصر الا بمفاصل محدودة طيلة القرن العشرين. العمالة المصرية في الخليج والتي لن تكون موجودة على الاطلاق، الدعم السعودي للصحوة الدينية، التدخل العسكري المحدود للعراق في الحروب مع إسرائيل والذي كان سيصبح أقل وربما لم يكن ليحدث من الأساس وهو لم يكن ذو تأثير يذكر.
يمكن لليبيا ان تبقى كبلد واحد أو أن تنقسم، لن تكون مغرية لأحد ولن تساهم بدعم أو تمويل أي حركة أو أي حرب في العالم وان كان هناك قذافي فسيمارس أحكامه المجنونة داخل حدوده فقط.
لن يكون النفوذ البريطاني في ايران كما هو مع النفط، وقد لا تستطيع ايران استعادة جمهوريتي مهاباد وأذربيجان المحتلتين من الاتحاد السوفيتي حيث قد يستمر الامر مثلما بقي ما قضمته روسيا القيصرية من ايران. ايران دون النفط ستكون أضعف بكثير ولن تكون قادرة على لعب دور إقليمي كبير، ومن الممكن أن تصبح بلداً شيوعياً وعندها قد لا يحدث سيناريو سقوط الشمال الغربي لكن في نفس الوقت ستمتد أيدي الاتحاد السوفيتي الى الخليج العربي وسيطبق الاتحاد السوفيتي على طريق الشرق بشكل كامل من أقصى الشمال وحتى المحيط الهندي وهو ما لن يرغب به الشرق ولا الغرب لذا فمن المستبعد أن تصبح ايران شيوعية لكنها فقط ستكون أقل أهمية وأقل فاعلية.
ربما لم أكتب جميع الحجج التي اعدت رسم الخارطة وفقها، لكن تقريباً فكرت بكل شيء.