لماذا لا يمكن أخذ فرضية مملكة الخزر على محمل الجد في النظر الى أصل الأشكيناز؟
أسئلة عديدة تواجه الفرضية الضعيفة في ارجاع أصل الاشكيناز إلى مملكة الخزر التي تحولت الى اليهودية. التشكيك في الأمر لا يتطلب الكثير من البحث والذكاء فيما تستند البراهين على تلك الفرضية على أصل محدود وضعيف.
كخلاصة، يرجع البعض أصل اليهود الاشكيناز اليوم وهم – معظم اليهود – في وقتنا الحاضر إلى مملكة الخزر، ومملكة الخزر هي مملكة تركية تواجدت بين بحر قزوين وجنوب القوقاز حتى البحر الأسود وفي فترة بين القرن السابع والقرن العاشر للميلاد. وفي فترة معينة – تقريباً آخر قرن من عمر الدولة – فقد تحول حاكمها الى اليهودية وتبعه في ذلك كثيرون. ما اعطى لهذه الفرضية قيمة ما هو باحث الجينات ايران الحايك (Eran Elhaik) والذي يرى عبر بعض الأدلة الإحصائية الجينية أن انهيار مملكة الخزر كان سبباً في تجمع بعض اليهود القوقازيين، السلافيين والإيرانيين في أوروبا. لكن أسئلة كثيرة تقف أمام تلك الفرضية التي لا يساندها غير ذلك سوى القرب الجغرافي النسبي لنقطة تجمع اليهود في شرق أوروبا قبل الاتحاد السوفيتي والهولوكوست وقيام دولة إسرائيل.
السؤال الأول هو: من قال ان التحول الى اليهودية كان جماعياً؟ دولة الخزر كان فيها حرية دينية وهذا لم يأت عن فراغ، في الأدلة القليلة المتوافرة عن مملكة الخزر يذكر أن من بين القضاة في بلاط الملك كان هناك اثنان من اليهود من بين سبعة قضاة منهم اثنان مسلمون واثنان مسيحيون وآخر وثني على دين الترك. هل يمكن ببساطة أن نستخدم مقولة “الناس على دين ملوكهم” في افتراض أن جميع سكان مملكة الخزر ذات الطبيعة شبه البدوية قد تحولوا الى اليهودية؟ ثم ما عمق التحول هذا ليصمد كل تلك الفترة؟
السؤال الثاني: من قال أن جميع الخزر هاجروا بعد سقوط دولتهم؟ ليس هناك أدلة تاريخية قوية في فترة يضعف فيها التدوين ويضعف التدوين أساساً حول تلك المملكة التي أشبه ما تكون بشبكة من التجار والبدو الاتراك.
ثم اين ذهبت مكونات اليهود الذين هاجروا من مناطق اخرى نحو اوروبا؟ لو أخذنا الفرضية وعزونا جميع اليهود الاوربيين من غير السفارديم الى الاشكيناز فهل يمكن أن نتخلى عن جميع الأدلة حول الهجرات اليهودية الأخرى الى أوروبا؟ هاجر اليهود بعد ان اجلاهم الرومان وتشظوا شرقاً وغرباً وهناك ادلة مكتوبة عن مستعمرات يهودية في إيطاليا وفي المانيا.
وهل نهمل يهود غرب اوربا الذين هجروا نحو الشرق حديثاً لنتمسك بيهود الخزر؟ لو لاحظنا تاريخ تهجير اليهود فإن دول أوروبا الغربية قاطبة كانت قد أصدرت اوامراً باجلاء اليهود بين القرون الرابع عشر والسابع عشر وكثير من هؤلاء توجهوا نحو الشرق بعد ان كانوا أساساً من المهاجرين والمهجرين من مراحل اسبق، فهل نهمل هذه الهجرات الحديثة لنبحث عن يهود الخزر؟
وإذا كانت اليهودية قد انتشرت في شرق اوربا فلماذا تنتشر بين الخزر لوحدهم؟ يشير ما ورد عن اعتناق ملك الخزر لليهودية الى انها كانت منتشرة الى حدٍ ما وانه لم يتم استيرادها، فهل اعتنقها الخزر لوحدهم؟ ماذا لو اعتنقها السلافيون؟
فترة اعتناق الخزر لليهودية بين اول حاكم يهودي الى سقوط الدولة هي اقل من 90 سنة، هل تكفي للتحول الشامل؟
تنتقل اليهودية عبر الأمهات وذلك لحفظ الدين لابناء قوم يتعرضون للكثير من الكوارث بشكل مستمر، فكيف لنا أن نمسك بدليل جيني لقوم كهؤلاء؟
من هم الخزر؟ ربما هذا هو السؤال الأصعب، فلم نتمكن حتى الآن من الإمساك بلغة الخزر بشكل جيد ويقال أنها اقرب للغة التشاواش، الشعب التركي القاطن في روسيا. لكن هل لنا أن نعرف من هم الخزر وكيف تبدو جيناتهم وما هي مكونات مملكتهم العرقية حتى نعزو اليها شعب ما؟
ماذا عن الدراسات الجينية الأخرى؟ هناك دراسات جينية أخرى عن اليهود ويتضح فيها توزيع اليهود بين مجاميع واصول جينية عدة وبنسب متفاوتة لا سيادة فيها لاحداها على الأخرى، فكيف لنا أن نعزو أصل اكبر مجاميع اليهود اليوم للخزر وكأننا نعرف من هم وكيف هو بناؤهم الجيني؟
ما يمكن اخذه من فرضية الحايك هو أن قلة من يهود شرق أوروبا لهم مشتركات جينية مع سكان شرق المتوسط، وأن هناك تواجد في خط الآباء لدى هؤلاء من الشعوب التركية (لكن خط الآباء بحد ذاته ليس دليلاً يذكر). لا يمكن أن نحمل الأمر أكثر مما يحتمل.