التصنيفات
الشعوب السلافية تاريخ الترك تاريخ السلافيين

أضواء على تاريخ الامارة الروسية الأولى: الشعوب السلافية وغير السلافية في شرق اوروبا في القرن الثامن

(English) أول ما يجب معرفته قبل قراءة السجل الروسي الأول (Primary Russina Chronicle) أو حكاية السنوات الماضية كما يعرف بالروسية (Повесть временных лет) هو أننا سنكون في حدود جيوسياسية مختلفة تماماً، نظام سياسي مختلف، مع شعوب أخرى، ربما في مناخ مقارب الى حدٍ ما مع مناخ روسيا الحالية، خليط جيني مختلف الى حدٍ ما، ومع الجغرافيا بصفتها الثابت الوحيد بين اليوم والأمس. العبرة الأولى قبل الغوص في ذلك السجل الثمين هو أن كل شيء من الممكن أن يتغير جذرياً، مثلما تغير كثيراً عما كان عليه قبل ألف سنة، وأن فهم تاريخ روسيا بصفتها الدولة الكبيرة التي هزمت هتلر ونابليون بشتاءها هو فهم محدود جداً، وأننا ربما يجب أن نفكر في الشعوب الجديدة، المفاهيم الجيوسياسية الجديدة، والخلطات الجينية الجديدة حينما نحاول التنبؤ بالمستقبل.

الكاتب نسطور الإخباري أو نسطور المؤرخ (Несторъ Лѣтописецъ) (Nestor the Chronicler) لا يذكر الكثير عن نفسه، لكن من الواضح أنه رجل دين ارثدوكسي عميق الايمان. عاش في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي وقد شهد عهد ملكين من ملوك اسرة روريك الاسكندنافية التي أصبحت سلافية بعد فترة قصيرة من نشوءها في منتصف القرن التاسع. اصدار نسطور من الكتاب لم ينج، لكن نجت إصدارات لاحقة وربما اضيف لها ما ليس منه، لكنه يبقى كتاباً نادراً يحمل ما لا يحصى من الرسائل، كما أنه أحد اوائل الكتب وربما الأول مما كتب باللغة السلافية الشرقية، حيث لم يكن هناك ما يعرف بالروسية والبلغارية والصربية وغيرها من تسميات حديثة.

خارطة تاريخية لروسيا واوكرانيا الحاليتين
خارطة تاريخية لروسيا واوكرانيا الحاليتين في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين

الفارانغيين (Varangians): على الرغم من أن الفارانغيين يمثلون أساس الامارة الروسية الأولى حيث أن سلالة روريك التي يدور الكتاب حولها هي أسرة من الفايكنج الفارانغيين، غير أن المؤلف كثيراً ما يشير لهم بصفتهم جماعة أخرى، حيث يبدو أن لهم مناطق نفوذهم على بحر البلطيق ومناطق أخرى غير تابعة للامارة الروسية. وكانت نقطة الانطلاق واحدى اهم المدن في تاريخ تلك الحقبة هي مدينة نوفغورود في شمال روسيا الحالية هي منطلق الروس في البداية نحو كييف. بطبيعة الحال لا يوجد وريث للفارانغيين ضمن روسيا او أوكرانيا الحاليتين.

القبائل السلافية بين 700 م – 845 م

البولان او البوليانيين (Polianians): يذكر المؤلف أن البوليانيين يعيشون في التلال بين الفارانغيين واليونانيين على خط تجاري يصل حتى نهر الدنيبر (Dnieper) ويتواجدون على النهر أيضاً. يصفهم المؤلف بأنهم قوم محترمون يعيشون بسلام ولهم أصول وقواعد احترام متبادل في العائلة. ويذكر أن لهم عداء مع الدريفليانيين (Drevlians) الذين كانوا يقمعونهم وكانوا أكثر قوة منهم وكلاهما عشائر سلافية شرقية، ثم وقع البوليانيين تحت نفوذ الخزر ودفعوا لهم جزية. ليس البوليانيين هم البولنديين الحاليين ولا صلة لهم بهم حيث كان البولنديين او البوليين موجودين في ذلك الحين كشعب منفصل. ومما يذكره المؤرخ أن البوليانيين مشتقة من بول (pole/поле) التي تعني الحقل لذا يسمون بسكان الحقول. يعزى تأسيس كييف للمرة الأولى بحسب المؤرخ الى البوليانيين، حيث يعزو المؤرخ الاخوة الثلاث كيي، شكيك وخوريف (Kyi, Shchek and Khoryv) واختهم ليبد (Lybid) الى البوليانيين مما يشير الى اسبقية السلاف في المنطقة ووجودهم قبل مجيء الروس.

السلافيين الأوائل: يتمثل السلافيون بالكثير من الشعوب في نقطة بداية التدوين في الكتاب، لكن نقطة انطلاق السلافيين الأوائل تقع حيث يعيش البلغاريين والهنغاريين (او الماغياريين – المجريين) في بداية احداث الكتاب بموضع على الدانوب، وكل من البلغار والهنغار ليسوا سلافيين.

المورافيون (Moravians): عشيرة سلافية غربية تقع حتى الآن في إقليم مورافيا بشرق التشيك، يتكلمون التشيكية اليوم بلهجة خاصة ويسمون نسبة الى نهر مورافا لا يذكر عنهم شيء في الكتاب ولم يردوا في الاحداث حيث لم يصطدموا او يتعاملوا كثيراً مع الروس.

الولاخ (Vlakhs) او اللياخ (Lyakhs) او الولاش (يسميهم العرب الأفلاق): يذكر في البداية أنهم هاجموا السلاف القاطنين على الدانوب وتعايشوا معهم ثم نزح السلافيون مع فئة من هؤلاء الى فيستولا (Vistula) وسمي هؤلاء باللياخ. فيستولا اليوم هو نهر تبدأ تفرعاته من شمال سلوفاكيا اما فيتضح أن الخليط من السلافيين والولاشيين المتجهين شمالاً نزحوا على الأقل لمسافة تمتد من الدانوب في النمسا او هنغاريا الى التشيك وسلوفاكيا الحاليتين أو ضمن بولندا. لكنه يعود ليوضح تفرعات اللياخ في حينه ليشمل ضمنها شعوباً أخرى فيقول “بعضا من اللياخ سموا البوليانيين، اللوتيشيين (Lutichians)، المازوفيون  (Mazovians) والبوموريون (Pomorians)”. رغم البحث عن اللوتيشيين في المصادر المتوفرة على الانترنت فلم نجد شيئاً سوى تكرار لمقولة المؤرخ، أما المازوفيون فما زالوا ضمن مقاطعة في بولندا ولهم لهجة خاصة بهم، وأما البوموريون فلا شيء عنهم اليوم سوى أن هناك كنيسة منشقة عن الارثدوكسية الروسية تحمل هذا الاسم وهناك مجموعة من المستكشفين الروس من نوفوغورود يحملون اسم البومور.

الدريفليانيين (Drevlians): قبيلة سلافية شرقية تعرف بسكان الغابات وتسميتهم مثلما ان البوليانيين هم سكان الحقول فإن الدريفليانيين تشتق تسميتهم من دريفو وتعني الشجرة أو الخشب (drevo/древо) ويكيل المؤرخ عليهم التشنيع فيقول أنهم يقتلون بعضهم بعضاً ويعيشون مع الأبقار وليس لديهم زواج بل يقيمون علاقاتهم في حفلات جنس ضخمة تشارك بها قرى بأكملها. الدريفليانيين ليس لهم وريث حالي وليس هناك معلومات عنهم سوى ما ذكر في الكتاب، وربما يمثلون سلف البعض في شرق أوكرانيا اليوم.

الدريغوفيشيون (Dregovichians): لا يذكر الكثير عنهم، وهم أيضاً عشائر سلافية تقع بحسب وصفه في مكان ما ضمن بيلاروسيا الحالية، حيث يقول أنهم يعيشون بين نهر بريبيات (Pripyat) ودفينا (Dvina) ويعيشون بالقرب من نهر بغ (Bug) ولا يبدو أن لهم وجود حالياً كشعب أو ضمن مقاطعة معينة.

البولوشيون (Polotians) أو (Polochans): قبائل شرقية سلافية تعيش بالقرب من الدريغوفيشيين اسمهم مشتق من نهر بولوتا (Polota) الواقع ضمن ما يسمى بيلاروسيا حالياً ولا يبدو أن لهم وجود حالياً كشعب أو ضمن مقاطعة في بيلاروسيا. كما يعيشون بالقرب من نهر البغ الواقع بين بولندا وأوكرانيا وبيلاروسيا الحالية.

السيفيريون (Severians): يقول المؤرخ عنهم أنهم يشبهون الدريفليانيين بنمط حياتهم كما انهم يعيشون بالقرب منهم، لكنه يقول أنهم يتفرعون من الكريفيشيين (Krevichians) الذين لا وريث لهم أيضاً وليس هناك أي معلومات عنهم سوى نتيجة بحث واحدة بكتاب تصف لهجة روسيا تسما باللهجة الكريفيشية. كما عاش السيفيريون بالقرب من نهر البغ الواقع بين بولندا وأوكرانيا وبيلاروسيا الحالية.

الرادميشيين (Radimichs): قبيلة او مجموعة قبائل سلافية شرقية تعيش شرق الدنيبر في الأجزاء الشمالية منه. ويذكر أنهم يعيشون مثل السيفيريين والدريفليايين. كما يعيشون بالقرب من نهر البغ الواقع بين بولندا وأوكرانيا وبيلاروسيا الحالية.

الفياتيشيانيون (Vyatichians): من القبائل السلافية الشرقية التي تشبه الدريفيليانيين في نمط حياتها. تعيش بالقرب من موسكو الحالية في شمال نهر الفولغا وتحديداً بالقرب من نهر اوكا (Oka) الذي يصب فيه، ولم يرد هذا في الكتاب لكن قرأناه في ويكيبيديا والتي تقتبس من كتاب عن تاريخ أوكرانيا.  لكن المؤرخ يذكر في الوقت نفسه ان هناك من القبائل من يقطن في ذات المنطقة لكنهم لا يتكلمون اللغات السلافية.

ملاحظة عن الرادميشيين، الفياتيشيانيون، السيفيريين والدريفليانيين القاطنين في شرق الدنيبر: يقول المؤرخ أنهم كانوا يحرقون أمواتهم. فضلاً عما وصفه من عاداتهم من الجنس الجماعي او تعدد الزوجات والعنف وشيوع القتل.

غير السلافيين

الموروما (Muroma) والمريان (Meryans): من الشعوب الفنلندية التي تعيش بالقرب من نهر اوكا. ومثلهم شعب المريان (Meryans) الذين يقطنون بالقرب منهم أيضاً. ويعيش قرب نهر اوكا ايضاً التشيريميسيان (Cheremisians) الذين لهم لغتهم غير السلافية لكن دون وجود معلومات عنهم.

الموردفا (Mordva): كما يذكر الموردفا ممن لهم لغاتهم الخاصة غير السلافية ويعيشون بالقرب من نهر اوكا. والموردفا من الشعوب التي بقيت موجودة حتى يومنا هذا، وينقسمون اليوم الى فئتين الارزيا (Erzya) والموكشا (Moksha) وهم من الشعوب الفينو-اوغرية أي من الأقارب لغوياً للفنلنديين والهنغاريين. ولهم اليوم جمهورية في روسيا تقع غرب الفولكا وعاصمتها مدينة فولكا واللغة الموردفينية هي لغة رسمية فيها الى جانب الروسية وبذلك تكون احد الأماكن حيث يتم تكلم اللغات الفينو-اوغرية عدا هنغاريا وفنلندا.

البوزنيانيون (Buzhians) ويسمون أيضا الفولهينيانيون (Vulhenians): يعيشون على نهر البغ (Bug) والمتفرع من نهر فيستولا ويرسم اليوم الحدود بين بيلاروسيا وبولندا وأوكرانيا وبولندا. بالطبع لا علاقة لهؤلاء بالبوسنة والبوسنيين.

غير السلافيين الآخرين

يذكر السكيثيين الشعب الإيراني المعروف لكن دون تفاصيل، ويذكر أن البلغار جاؤوا من أراضي هؤلاء نحو الدانوب واضطهدوا السلاف، ثم يذكر وكأنه تسلسل زمني أن الاوغريين البيض قد جاؤوا، والاوغريين هم أبناء عمومة الفين، وقد تطرقنا الى الموردفا لكن المؤرخ لا يحسبهم ذات الشعب، ولهذا السبب تسمى مجموعة اللغات التي تجمع تلك الشعوب بالفينو-اوغرية، والاوغريين البيض هنا يمثلون سلفاً أو أقارب للماغياريين او المجريين الذين يذكر أنهم مروا من تلك الأراضي القريبة من أراضي السكيثيين – وكأنه يشير الى مكان ما بين البحر الأسود وبحر قزوين – بكييف نحو الغرب اثناء حكم اوليغ.

ورغم أن أقلية من الآفار (Avar) ما زالت تعيش في روسيا وأوكرانيا غير أن هذه يبدو أنها مجموعة منتقلة حديثاً، اذ يذكر المؤرخ شامتاً كيف أن الافار انقرضوا وان المثل الروسي في وقته كان يقول “اختفوا كما اختفى الآفار”، ويبدو أن للآفار وجود كبير سابق هناك. اما اليوم فيمثل الآفار ثلث سكان داغستان بروسيا وهم شعب من شعوب القوقاز ولا ينتمون لغوياً لأي عائلة لغوية بل لهم عائلتهم اللغوية الخاصة.

يذكر في الكتاب وعلى صعيد الاحداث أيضاً الخزر، امارة البلغار المسلمين في وسط روسيا، البولوفشيين او القومان، الترك، الياتفينجيين (Yatvingians)، البشنغ (Peshenegs ) او الباتزنياك، الشود (Chuds)، الياسيان (Yasians) والكاسوغيان (Kasogians)، فضلاً عن اليونان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *