لو أردنا أن نحصي المرات التي استعان بها العثمانيون بولايات معينة لمعالجة القلاقل في ولايات أخرى لكانت البصرة هي الاقل، فلم تتم الاستعانة بها لمعالجة إحدى القلاقل في بغداد مطلقا، بينما كانت بغداد هي المسؤولة عما يحدث في نقاط أقرب جغرافياً إلى البصرة منها إلى بغداد حتى قبل الوقت الذي أصبحت فيه البصرة ملحقة ببغداد. وغالباً كانت سياسة التعامل مع المتمردين من امراء العشائر سواء الأكراد أو العرب تنتهي باستبدالهم بآخرين من أقاربهم في إشارة إلى عجز الدولة التام في التعامل مع مناطق هؤلاء العشائر وسكانها.
على صعيدٍ آخر، فإن لقب باشا لم يمنح لشخصية محلية من البصرة وبغداد سوى استثناءات قليلة مثل حسين باشا افراسياب، فيما كان اللقب ملازماً لحكام الموصل الجليليون وحكام بابان وباجلان. أشمل بذلك الفترة منذ القرن السادس عشر وحتى نهاية القرن الثامن عشر.
نقطة ثالثة للمقارنة هي أن بغداد لم تتمكن مطلقاً من تقديم شخصية محلية بارزة تساعد على استقلالها مثلما حدث مع الموصل، كردستان أو الحالة المحدودة في البصرة المتمثلة بأسرة أفراسياب (قبل أن تتراجع البصرة بشكل رهيب بعد هذه الأسرة وتصبح تابعة بشكل مباشر لبغداد). الشخصيات التي فرزتها بغداد كانت شخصيات من الروم أو العجم ممن وطدوا نفوذهم داخل قوات بغداد المحلية وبدرجة أقل مع سكانها.
استنتاجي من هذا أن هذه المناطق سواء لأسباب تتعلق بانتاجيتها ومردودها المالي، أو بتركيبتها الطائفية، أو بطبيعة العشائرية فيها والتي تقود لمشاكل أكثر، أو بطبيعة تعامل العثمانيين معها (والتي لا أعول عليها كثيراً ففي النهاية سياسة العثمانيين السيئة هي واحدة) كانت مناطق أضعف وأقل استقراراً. لو أردنا أن نعطيها تصنيفاً بحسب الناتج الاجمالي المحلي، أو نسبة الجريمة، أو أي من المعايير الحديثة في تقييم الوحدات الادارية لكانت من المناطق الاسوء في المحيط القريب لها.