التصنيفات
التشيع العصر العباسي تاريخ العراق

المذهبية في الوزارة العباسية

تباينت المذاهب بشكل كبير في اثناء القرون الخمس التي تنفذت فيها الدولة العباسية، ففي البداية كان مفهوم التشيع سياسياً وكان العباسيون أنفسهم قد ظهروا الى الحكم بدعوة سياسية علوية. كما حدثت تبدلات في مذهب الدولة الرسمي، فهل يصح تسميته بالمذهب السني في سنواته الأولى مثلاً؟ لا يمكن تشبيه مذهب أبو العباس السفاح أو أبي جعفر المنصور أو مذهب الدولة في وقتهما بالمفهوم التقليدي لمذهب الدولة السني اليوم. تحول مذهب الدولة في فترة معينة الى الاعتزال، وظهر بعدها الأشاعرة كما تولى بعض الخلفاء الشيعة – بمفهوم شبيه بالشيعة اليوم – مثل الناصر لدين الله.

أما الشيعة، فقد تباينوا أيضاً وقد ذكرنا العلوية كحركة سياسية، وبالإضافة لذلك فقد سيطر البويهيون على الدولة العباسية وكانوا زيدية، فحين القراءة عن أحد الوزراء بأنه كان شيعياً فإن ذلك يحمل معاني عديدة بحسب القائل ومن الصعب معرفة ذلك. القائد التركي البساسيري مثلاً كان موالياً للفاطميين، مما يقترح أنه كان اسماعيلي المذهب ربما لكن لا توجد معلومة واضحة أو تمييز بين الموقف السياسي والديني. كم من الوزراء الذين يقول عنهم الذهبي في سير أعلام النبلاء أو غيره بأنهم شيعة دون تحديد فرقة الشيعة التي ينتمون لها والتي تختلف كثيراً في توجهاتها السياسية؟ لا معلومة عن ذلك، لذا وجدنا تسمية جامعة للمذهب بما يطابق التسميات اليوم وبما تذكره المصادر مع لزوم توضيح ما ذكر وحقيقة معناه. سنذكر أن الشخص شيعي بالمعنى العام وهذا يشمل جميع الفرق والاختلافات بين فرق الشيعة وتوجهاتهم.

اغتيل أبو سلمة الخلال، وكان علوي التوجه، لأنه أراد تسليم الخلافة للعلويين. ويعد أول من يمكن تصنيفه كشيعي بالمعنى السياسي. [1] أما وزير المنصور الربيع بن يونس فقد قيل عنه أنه “كان يتشيع” دون وضوح معنى ذلك. [2] وهكذا قيل أيضاً عن يعقوب بن داوود الفارسي الذي كان مسيحياً فأسلم[3]. ويصف الذهبي الفضل بن سهل بأنه “كان شيعيا منجما ماكرا”.

ولم يتول شخص شيعي الوزارة بعد الفضل بن سهل حتى مضت خمسين سنة وبدأت حقبة جديدة من سلطة الأتراك حيث تولى جعفر بن مسعود الاسكافي الذي تقول عنه دائرة المعارف الإسلامية أن “نزعته شيعية”.[4] ولم يكن هناك استهداف لهؤلاء الوزراء بشكل خاص حتى ذلك الحين فلم يكن هناك مصير سيء استثنائي لهم بالمقارنة مع نظرائهم من غير الشيعة في ذات الفترة. بل أن الاتراك فرضوا جعفر بن مسعود الاسكافي على الخليفة رغم عدم رغبة الخليفة به كوزير. لكن من الجدير بالذكر أيضاً ان الوزراء الشيعة لم يكونوا سوى اقلية. ولم يقتل من الوزراء الشيعة قتلة سيئة سوى أول وزيرين من بني فرات المحسن وأبوه كما قطعت يد ابن مقلة لشيرازي. وأيضاً قتل المأمون الفضل بن سهل كما قتل الناصر لدين الله محمداً القمي وكلا من هذين الخلفاء يصنفان على التشيع بأحد معانيه على الأقل.

يضاف الى هؤلاء وزراء الحقبة الأخيرة من عمر الدولة العباسية والذين قد تصل ولايتهم الى اقل من 50 سنة وكانوا من الشيعة الاثنا عشرية على الأغلب ولم يكونوا من توجهات شيعية أخرى، كما يبدو وكأن وزارة الشيعة قد أصبحت تقليداً منذ منتصف حكم الناصر لدين الله. تولى الوزارة في تلك الفترة ناصر بن مهدي العلوي، محمد بن علي بن القصاب، محمد بن عبد الكريم القمي، وهؤلاء الثلاثة من الفرس؛ ثم أحمد بن محمد بن الناقد، وأخيراً ابن العلقمي وهم من العرب من اهل العراق.

وحيث أن نصف وزراء الدولة العباسية تقريباً هم من الفرس، فإن هذا ينطبق على الوزراء الشيعة. كان الفرس هم الفضل بن سهل والحسن بن سهل ويعقوب بن داوود وأبو سلمة الخلال وقد كان الربيع بن يونس شيعياً عربياً من الحقبة الأولى. أما المجموعة اللاحقة في منتصف حكم الدولة العباسية فربما كان جعفر بن مسعود الاسكافي عربياً او نبطياً من العراق وكذلك بنو فرات، فيما كان ابن مقلة فارسياً. أما الوزراء الخمس الأواخر فكان ثلاثة منهم فرساً واثنان من العرب وهم ابن الناقد وابن العلقمي.

يصل تعداد الوزراء الشيعة في الدولة العباسية الى 15 ممن أحصيناهم وعرفناهم من اصل قرابة 80 وزير عرفنا شيئاً عن توجهاتهم المذهبية أو كانت سيرتهم ملحوظة في الكتب لمدتها أو لأهمية المنصب وكان قرابة نصف هؤلاء من غير الفرس أي من العرب أو النبط من العراق وهذه النسبة توازي تقريباً نسبة الفرس والعرب في تولي منصب الوزير في الحقب المختلفة تقريباً. وكما ذكرنا فإن التشيع لدى هؤلاء يتعدد بمفاهيمه.

المراجع

[1] نشأة الشيعة الإمامية – نبيلة عبد المنعم داوود – الصفحة ١٧٢

[2]  قيل عنه انه كان يتشيع: أعيان الشيعة – السيد محسن الأمين – ج ٦ – الصفحة ٤٦٠

[3]  الفخري: كان يعقوب بن داود يتشيّع

[4] أبوالفرج‌، ۲۰/۶۷؛ الصفدي، ن‌.ص‌؛ قا: السامرائي، ۸۶ دائرة المعارف الاسلامية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *