يعكس تخيل عدم وجود الاتراك البصمات الكبيرة التي يتركها اللاعبون الكبار فيما لو لم يكونوا في اللعبة. الأتراك قلبوا وجه المنطقة منذ اجتياحهم لها بعد نهاية الألفية الأولى، أبرز تأثيراتهم كانت بنصرتهم لتيارات فكرية معينة ومذاهب معينة، وإرساءهم لقواعد امبراطوريات كبرى بعد أن اختفت الامبراطوريات من قاموس شعوب المنطقة، واللمسة الأخيرة السوداء المتمثلة بمجازر الأرمن واليونانيين والسريان والاشوريين في الأناضول. فضلاً عن التغيير المستمر والتدريجي للغات شعوب كثيرة حكمها الترك الأوغوز، سلاجقة وعثمانيون وصفويون وقاجار وغيرهم، حكموا إيران لغالبية الفترة الألفية الأخيرة، وقلبوا وجه الأناضول ودخلوا أوربا وضموا العرب الى امبراطورياتهم. بغياب الأتراك فإن المنطقة ستخضع لقواعد تسبق قدوم الأتراك، الخرائط الأقدم. ثم بعد ذلك سيكون اللاعب الأبرز هو الأوربيون ولفترة أطول من فترة تأثيرهم المحدودة في مطلع القرن العشرين، ما سيحدث سيتم وفقاً لقواعد طبقت في أماكن أخرى من العالم:لا يجتمع أكثر من عامل للقوة في وحدة جيوسياسية واحدة: تعداد سكاني، نفط، أرض صالحة للزراعة، ساحل، مزارات دينية.
تبدأ قصة الأتراك مع الشرق الأوسط بنطاقها الواسع مع دخولهم للإسلام أما ما سبق ذلك فقد كانت الشعوب الايرانية تغطي مساحات من شمالي بلاد ما وراء النهر. ولم يكن الأتراك رغم شدة تهديدهم للممالك الفارسية المتعددة قد وصلوا يوماً إلى حكم ايران، التي تسنى لهم أن يحكموها بشكل دائم تقريباً بعد الاسلام.
تروي القصص الواردة في التاريخ الاسلامي قصتين لإسلام الترك، تتحدث الأولى عن ملك تركي يبدو إسمه فارسياً وهو شهربراز وتدور أحداثها في عهد الخليفة عمر بن الخطاب في عام 22هـ حيث دخل هؤلاء بسلاسة في الاسلام. تلك الأحداث كانت في بلاد الباب والتي تعرف بدربند أو باب الأبواب أيضاً الواقعة في داغستان الحالية[1].
القصة الثانية لم تكن باليسيرة وكانت عبارة عن نصف قرن بدءاً من ستينات القرن الأول الهجري وحتى نهاية القرن من الحروب بين العرب بقيادة قتيبة الباهلي (ومن بعده) والترك البختيين والهياطلة وغيرهم في منطقة شاسعة تمتد من بلخ حتى كازاخستان، وقد انتهت لصالح العرب ولكن دون تحول شامل للترك عن اديانهم الوثنية ودون نصر كاسح فعلي على تلك الأقوام. لكن يبدو أن الانخراط العسكري في الجيوش الاسلامية والاختلاط المستمر مع العرب رسم مصيراً آخراً للأتراك وللمنطقة أيضاً بعد عدة قرون من تلك الأحداث.
سأتناول في هذا المقال واقع كل اقليم من أقاليم المنطقة في ظل تأثيرات الأتراك ونتصور واقعه لو لم يكن الأتراك قد هاجروا وسأستثني الغزوات المغولية والتيمورية من هذه التأثيرات وبالنتيجة ستظهر لنا خارطة مختلفة تماماً عن الخارطة السياسية والمذهبية الحالية.
تستكمل القصة فالموجات الرئيسية للترك المسلمين كانت من قبائل الأوغوز المختلفة والتي بدأت هجراتها نحو العراق، القوقاز، إيران في القرن العاشر. وبالنسبة لإيران فقد كان هناك تمهيد سابق في بلاد ما وراء النهر التي كان كثيراً من أقاليمها يعتبر إيرانياً ولم يبق منها اليوم سوى طاجيكستان كإقليم فارسي. سمرقند وبخارى وطشقند كانت حواضراً فارسية وصغدية. البخاري على سبيل المثال كان فارسياً ناشئاً في بيئة فارسية ببخارى التي تعتبر عمقاً تركياً اليوم.
ربما كانت ايران البلد الأكثر تأثراً بالظهور التركي المفاجئ في القرن الحادي عشر الميلادي للترك فبعد سيطرة السلاجقة التامة عليها تعرف السلاجقة لأول مرة على حضارة من طراز رفيع وتشربوا آثارها ولغتها التي أصبحت سائدة في انحاء الامبراطورية كما استوزروا من الفرس وزراءاً ولمع تحت سلطانهم علماء جهابذة كعمر الخيام. وكان دخول السلاجقة الى إيران ايذاناً بنهاية حكم الشعوب الايرانية لإيران لتبدء منذ ذلك الحين سلسلة من الحكومات التركية وإن كانت غير متصلة ولذلك آثار سياسية عديدة كان لها أثرها في الاستيطان وفي ترسيخ قوة التأثيرات التي نتكلم عنها في هذا المقال.
أذربيجان كانت من بين الأقاليم التي طالها الاستيطان التركي في القرن العاشر والحادي عشر حتى أصبحت تعد دولة تركية اليوم. قبل ذلك وكما يذكر البلاذري في فتوح البلدان في سياق كلامه عن فتحها أن ميثاق الصلح تضمن الحفاظ على بيوت النار وأن رئيسها كان مرزباناً وأن الميثاق تضمن ” ولا يعرض لأكراد البلاسجان وسبلان وساترودان” مما يشير للطبيعة الكردية الايرانية للمنطقة. ومن مشاهير الفرس الذين ولدوا في أذربيجان القائد العباسي الشهير أبو مسلم الخراساني في 722 ميلادية. وما زالت اذربيجان حتى اليوم تتفاخر بآثارها الزرادشتية العائدة للايرانيين الأصليين من سكنة البلاد الذين ذابت لغتهم.
أما الأناضول (تركيا حالياً) فلم تكن تعرف لساناً تركياً قبل معركة ملاذكرد (1071 م) بين السلاجقة والبيزنطيين. من أقصى شرقها في الجبال وشمال بحيرة وان حيث وقعت المعركة حتى غربها كانت اللغة السائدة هي اليونانية[2]، وفي الشمال الشرقي كانت لغة اللاز موجودة بشكل أكثر كثافة مما هي عليه اليوم من لغة آيلة للإنقراض. أما الجبال الجنوبية الشرقية فقد كانت أرمنية، كردية وسريانية.
وفي غرب الفرات حيث المناطق التي تعرضت لأعنف أنواع التغيير من مجازر وتهجير وفرض لغوي والتي ما زال للأتراك فيها أهدافاً حتى عبر الحدود السورية اليوم وبعد 100 عام، تلك الأرض كانت مملكة كيليكيا الأرمنية التي دامت ما يقارب الثلاثة قرون قبل أن يجهز عليها المماليك في نهاية القرن الرابع عشر.
أما شمال الأناضول وغربه فيكفي للمجازر والتهجير الحاصل في مطلع القرن العشرين لليونانيين الأصليين أن يتكلم عن واقع تلك المناطق. لا يعدو تعداد اليونانيين في تركيا اليوم على الخمسة عشر ألفاً لكن الذين تم قتلهم وتهجيرهم من مدن شمال الاناضول فيبلغ تعدادهم بين 400 و 700 ألف نسمة. تدريجياً تغيرت الألسن بتغير الحكومة المهيمنة على المنطقة ولكن لم تتغير الوجوه السلافية واليونانية المجردة من أي ملمح تركي والتي تغطي جميع بقاع الأناضول.
حتى عام 1893 وبإحتساب البعد الديني داخل الأناضول حالياً دون احتساب نسبة الأتراك من بقية القوميات كان تعداد المسلمين يبلغ 7 ملايين نسمة مقابل ما يفوق المليوني نسمة من الأديان الأخرى يتوزعون بالكثرة على الأرمن فاليونانيين ثم السريان والاشوريين ثم البلغار فاليهود على التوالي وكان التعداد مقارباً في عام 1914 وكل من هذين التعدادين يمثلان وجهة النظر العثمانية ليس إلا.
لم يكن ذلك الظهور التركي من قبائل الأوغوز كالغزو المغولي، مبهوراً بمفاهيم المنطقة وثقافتها بالشكل الذي يذيبه كلياً فيها، بل كانت له تدخلاته رغم اقتناءه لغة الفرس وثقافتهم الى حد كبير. كان للسلاجقة الدور في انزال ضربة قوية بالنفوذ الشيعي المتوطد وبالقضاء التام على الاعتزال وتبني العقيدة الأشعرية في الامبراطورية، العقيدة التي هيمنت على مفصل العقيدة والسياسية والفقه والنظرة الشاملة لحقوق الله وحقوق البشر في الحياة. بالمقابل كانت أيام السلاجقة هي الأيام الأخيرة للاعتزال كتوجه عقائدي مستقل، حيث لم يجد بعدها ملاذاً سوى في المؤسسة الشيعية. اختفى الاعتزال بصفته نوعاً من علمانية مبتدئة لدى المسلمين. كما كانت تلك الأيام الاخيرة للنزاعات العقائدية المرتبطة بالاعتزال.
صلاح الدين الأيوبي التابع او الحليف للدولة السلجوقية كان مثالاً لتلك السياسية الدينية للدولة وإن كان قد أستقل بحكمه نوعاً ما عن الامبراطورية السلجوقية بالشكل الذي لا يمكن اعتباره جزءاً منها. كان صلاح الدين أشعرياً وكان لحكمه وسلالته دور في ظهور الأشاعرة في الشام ومصر. الصفويون على الطرف الآخر وعلى بعد بضعة قرون من التأثير التركي لصالح أهل السنة، ظهروا ليضيفوا للخارطة تأثيراً تركياً جديداً بتشيع مؤسساتي بعيد عن جماعاتهم الصوفية.
الكثير من الفن والإبداع والعمارة ظهرت في البقاع التي أصبحت تركية لاحقاً ولكن أين؟ في الأطراف الفارسية الأصول ببخارى وسمرقند، وفي بلاد الأرمن واليونانين والسلاف في الاناضول. مع ذلك لن تجد إبتكارات أو اكتشافات في أي من تلك البلاد. لن تجد عالماً عثمانياً اللهم إلا طبيبين سوريين في القرن السابع عشر كانا أول من بدءا بإستخدام المنهج الأوربي في الطب بدلاً من منهج إبن سينا الذي كان تركة ثقيلة على الطب في العالم الاسلامي طيلة قرون. ولم يكن الحال أفضل في إيران التي كانت تحكمها سلالات تركية أيضاً وكان بضعة مختصين إيرانيين قد اتجهوا بعلومهم الى بلاط الهند المغولي بدلاً من إيران مثل محمد نواب معتمد الملوك. ولعل المنجم القنوي ليس من الصنف الذي يشاد به من المختصين بالعلم حيث كان في القرن السابع عشر وهو يمثل نوعاً مكرراً من منجمي العصر العباسي الذين يضعون زيجاً وكتاباً يصفون به خبرتهم بالتنجيم، ولا يختلف عنه تقي الدين الدمشقي في القرن السادس عشر الذي بنا له العثمانيون مرصداً.
كيف ستكون الخارطة إذاً؟
سنحاول أن نلخص التغيرات التي ستحدث لو لم يهاجر الأتراك الى المنطقة ثم سنحاول أن نرسم خارطة حالية تأخذ بنظر الأعتبار كافة المتغيرات التي طرأت وكيف كانت ستحدث دون التأثيرات التركية:
- أذربيجان فارسية كردية: ما كانت الصبغة التركية ستطغى على أذربيجان وكانت ستبقى أرضاً فارسية او شعباً ايرانياً ولكنها ستكون أرضاً مستقلة بالنظر لطبيعتها المستقلة في التاريخ كإقليم منفصل عن باقي الأراضي الايرانية وهو ما كان يعرف في القدم بأرض شيروان وحكامها تطلق عليهم تسمية شرفانشاه.
- دولة أرمنية مطلة على البحر المتوسط: صحيح أن مملكة كيليكا الأرمنية المطلة على البحر المتوسط (أرمينيا الصغرى) قد تم انهاؤها على أيدي المماليك، ولكنها ما كانت لتقوم مرة أخرى نظراً للوجود التركي المضطرد بقوته في الأناضول. وهذا السبب يفوق أي سبب آخر. دون الوجود التركي كانت مناطق شاسعة من الجنوب والوسط التركي مع الجبال المتصلة مع أرمينيا الحالية كلها ستصبح وحدة أرمنية واحدة تحدها أراضي الأكراد ومسيحيي وادي الرافدين جنوباً والأراضي التي يقطنها اليونانيون في الشمال (البنطيين) وفي الغرب، والبحر المتوسط جنوباً.
- إمارات كردية، ولكن أيضاً دون منفذ بحري وليست كياناً موحداً: توحيد الأكراد تحدي لا يلعب وجود الأتراك دوراً في جعله أمراً صعباً بل على العكس ربما تساهم المواقف التركية المتطرفة في توحيد الأكراد اكثر من تفريقهم، وجود الكيان الكردي بشكل إمارات متفرقة سيكون كما كان موجوداً دائماً لكنه سيكون جبلياً في المناطق التي لا تستطيع الجيوش دخولها وستبقى للمناطق المفتوحة الأحكام نفسها ولن تكون كلفة المنفذ البحري للأكراد كلفة سهلة فالأعداء بغياب الأتراك سيتمثلون بمستعمرات أوربية أو أراضي منتدبة.
- أيضاً لن يكون هناك كيان لمسيحيي بلاد الرافدين في الشمال: ليس للأراضي المنزوية بين جبال وسهول المسلمين العرب والأكراد في شمال العراق الحالي أي قيمة تذكر وتجعل تلك الأراضي جديرة بدعم أي قوة، وحتى لو كانت هناك قوة مسيحية متعصبة مهتمة بنصرة تلك الأقلية من الاشوريين والكلدان فلن تستطيع حماية الأقليم الذي سيتم أنشاؤه لفترة طويلة لأفتقاره لعوامل الدفاع والموارد المناسبة والحدود الصديقة. حتى الكيان الأرمني الذي سيكون موجوداً فإنه لن يكون قريباً، ولو بقيت القلاع الصليبية حتى حين آخر فلن تكون قريبة من هذا الأقليم.
- المزيد من الشيعة الزيدية والقليل من الإثنى عشرية المنحسرين بمناطق محددة: التأثير الإمبراطوري للسلاجقة حسم الصورة تدريجياً نحو هيمنة شاملة للأشاعرة على العقيدة في مصر والعراق وايران مع المذهب الشافعي ومن ثم في أصقاع الدولة العثمانية مع المذهب الحنفي، بغياب التأثير التركي لا يمكننا أن ننكر أن الأشعرية سيكونون موجودين لكن الخارطة ستكون مختلطة جداً بين المعتزلة والأشاعرة وأهل الحديث وسيكون الشيعة الزيدية موجودون بشكل أكبر في العراق وإيران. وبغياب التأثير الصفوي سيبقى الشيعة الاثنى عشرية متفرقين بين لبنان والعراق وايران ولكن ليس بالكثافة التي هم عليها اليوم مطلقاً.
- إيران منقسمة مذهبياً وتميل لكثرة سنية: مع غياب حملات التشييع الصفوية والتأثيرات التركية الممنهجة طيلة قرنين لنشر التشيع فلن تكون ايران شيعية وسيكون السنة هم الأغلبية فيها.
- مستعمرات أوربية في الشام حتى الآن: مع قطع الامارات التركية في الاناضول لخطوط الامداد البرية للصليبيين بشكل تدريجي ومع الوجود التركي القوي المتمثل بالسلاجقة في الشرق ما كان من مانع من أن تستمر المستعمرات الصليبية في الشام حتى وقتنا هذا بشكل مستعمرات أوربية وربما كانت ستغير خارطة الشام وتركيبتها بشكل تام. لم يكن الصليبيون يحتاجون للكثير من الوقت قبل أن يبلغوا عصر النهضة ويكون من الممكن أن تصل السفن الأوربية الحديثة للسواحل الشرقية للمتوسط بسهولة مقدمة المزيد من الامدادات.
- اليونان الشرقية واليونان الغربية: اليونان البنطيون وغيرهم من يونان الأناضول الذين كانوا أغلبية في الأناضول ربما كانوا سيشكلون أقليماً يحمل ملامح سياسية مختلفة عن اليونان ويمتلك مقومات اقتصادية أكبر تجعله أما أن يكون مهيمناً على اليونان الحالية أو مناوئاً لها.
- لا إسلام في البلقان: لم يكن الاسلام لينتشر في البوسنة والهرسك والبانيا وكانت ستكون أقاليم سلافية لا تختلف عن الجبل الأسود وكرواتيا والصرب، وما كانت ستحدث كثير من الحروب والمجازر والثورات في تلك المناطق.
- حركة وهابية أكثر جموحاً: لم يكن هناك ما سيقف بوجه الوهابية في العراق وربما كانوا سيحققون تقدماً أكبر في الجنوب العراقي الذي لن يكون شيعياً بنفس النسبة التي هو عليها الآن أو قد لا يكون أساساً.
- اتفاقيات متناثرة مع الانجليز والفرنسيين: لن يحتاج الانجليز والفرنسيون الى خطة سايكس بيكو فستكون المنطقة مقسمة أساساً ولن يحتاجوا الى اجتياح المنطقة كلياً، فقط المناطق المؤثرة كالسواحل ومناطق النفط.
- إيران أكثر تشرذماً: ربما لم تكن إيران لتتمكن من لم كافة أراضيها كما هي عليه اليوم، خارطة تتضمن كردستان وعربستان وبلوشستان وإقليمين فارسيين على الأقل ستكون واردة إلى حد كبير.
- مستعمرات أوربية أكثر: كما ذكرنا سيكون هناك وجود مستمر منذ الحروب الصليبية لكن عدا ذلك، وكما فعل الفرنسيون في بادئ الأمر عند دخول سوريا كان الساحل سيتم احتلاله بالكامل. دول الخليج لن تختلف عما هي عليه من حيث علاقتها بالغرب، ولكن ستضاف إليها عربستان والبصرة كإمارات مستقلة هي الأخرى، لن يكون هناك حاجة ماسة لضم البصرة للعراق للحفاظ عليه قطعة واحدة خوفاً من التهامه من قبل ايران، فإيران ما كانت لتكون كياناً موحداً متماسكاً لولا الحكومات التركية المتعاقبة التي صنعتها بهذا الشكل، والبصرة وعربستان ما كانت ستكون بالغالبية الشيعية التي هي عليها اليوم وتجريد أراضي الرافدين الأخرى من المنفذ البحري والبترول بهذا الشكل سيجعلها أضعف وأقل أهمية وبالتالي فإن مشاكلها ستصبح أقل وكذلك الحال مع إيران وعربستان.
- جورجيا أكبر: كانت جورجيا ستشمل أراضي اللاز وستصل ربما الى طرابزون ولن يكون اللاز مسلمون عندئذ.
- نفوذ سوفيتي وروسي أعمق نحو البحر المتوسط يعالجه الأوربيون بالتدخل الساحلي المباشر والتدخل مع أرمينيا الغربية واليونان الشرقية، لقرون حارب الأتراك الروس وحصلوا على دعم الانجليز مراراً أثر محاربتهم للروس، بغياب كيان تركي موحد قوي في الاناضول كان الروس سيجدون طرقاً عديدة للوصول الى البحر المتوسط. ومع النفوذ الروسي المتوطد في القرن الثامن عشر فإن كياناً أو كيانين من كيانات الأناضول ستصبح شيوعية حتماً، الأكراد والجورجيون، الأرمن والجورجيون، الأكراد واليونانيون وهكذا.
مناطق الأرمن واليونان في الأناضول
كل من غازي عينتاب وأدنة بعد دخول العرب إليها عادت للبيزنطيين وآلت أدنة فيما بعد لمملكة كيليكيا الأرمنية وتم توطين الأتراك فيها من الأوغوز حتى مجئ العثمانيين. أما غازي عينتاب فلم تكن ذات شهرة لكنها ايضاً استعيدت من البيزنطيين وبقيت متنقلة بين الحكومات المختلفة حتى غزاها العثمانيون كلياً.
سيواس وموش كانتا من أكثر المناطق التي شهدت قتلاً للأرمن بمعنى أن أنها كانت ذات كثافة كبيرة ونقطة تنافس بين جماعتين متقاربتين بالعدد. وتذكر إحصائية 1893 العثمانية أن سيواس كانت أكثر ولاية يتواجد فيها الأرمن في الأناضول مع وجود نسبة غير قليلة من اليونانيين، لكن مع ذلك كان المسلمون يفوقونهم عدداً.
أبقى العرب على الحكام الأرمن من أسرة أرتسروني مقابل اتفاقيات ولم تتغير الا بعد مجيء السلاجقة حيث تم تخريب المدينة وطرد هذه الأسرة.
على الطرف الآخر عبر الحدود الايرانية الحالية مدينة ماكو في إيران هي الأخرى كانت أرمنية حتى العهد الصفوي. وكذلك الحال مع خوي والمناطق حتى بحيرة أورمية. حتى تبريز كان فيها ملك أرمني قبل أن يقتحمها الأوغوز في القرن الحادي عشر.
أرضروم كانت أرمنية ثم دخلها المسلمون وبقيت أرمنية بسكانها وأصبحت قاعدة لغزو مناطق البيزنطيين حتى تمكن منها البيزنطيون وطردوا العرب منها وبقيت أرمنية يونانية ولم يدخلها الأتراك الا بعد معركة ملاذكرد.
لن يكون من الصحي للقوى الأوربية أن تكون أرمينيا بلداً واحداً فجزءها الشرقي معرض للخطر الروسي دائماً بينما جزءها الغربي لطالما كانت موضع تأثير من الأوربيين، الانقسام الشديد بين الشطرين سيكون هو الخيار.
مناطق الأكراد
لطالما كانت مراغه فارسية، أما نقده فما زال ثلث سكانها من الكرد. وأما أورميا فهي تبدو كمفترق طرق بين الأرمن والأكراد الكرمانجيين إذا ما استثنينا الغالبية التركية الطاغية على المدينة اليوم.
الوجود الهامشي لسنجار مع الأكراد قد يجعلها تفضل الانضمام للعرب الذين سيبذلون جهداً لأخذها وجعلها جزءاً من دولتهم.
ستكون مناطق الأكراد كما كانت في الإمارات التاريخية لهم إمارة شمالية سنية تتمثل بإمارة بادينان، وإمارة جنوبية كاكائية. وجود الدول الكردية سيكون مجرداً من الخطوة والأهمية ومهماً
إيران
يمكننا الحكم على واقع إيران دون الإمبراطوريات والسلالات التركية من خلال شاهدين، أولهما الدولتان البويهية والصفارية وتوزيعهما الذي لم يكن يشمل كل أراضي الفرس فلطالما كان هناك انقسام تام بين خراسان والتي تشمل محافظتي خراسان في إيران مع جزء من الجزء الشمالي من إيران الحالية وأفغانستان والقسم الثاني من إيران والذي يشمل مناطق اللر وأصفهان حيثما قامت الدولة البويهية. وحتى الآن ما زال الوجود السني أكثر كثافة في الأجزاء الغربية سواء في بلوشستان ذات الأغلبية أم في خراسان ذات النسبة غير القليلة من السنة. أما افغانستان فجل التأثير الشيعي فيها كان من التتار وليس من الفرس.
دون دول قوية كان البرتغاليون سيستطيعون تأسيس إمارة في عربية في الجزء الشمالي من المضيق ولن تكون هناك قوة كافية لردعهم. الحرب الصفوية البرتغالية كانت ربما ستنتهي بإنتصار برتغالي وبمساحة أكبر ومدة أطول للإمارة التي انشؤوها لمدة 8 سنوات في هرمز لولا السطوة الصفوية. ومن يراهن على ضعف المستعمرات البرتغالية فإن بريطانيا كانت ربما ستصل للفكرة ذاتها.
اللر لطالما كانوا جزءاً من الدول الفارسية المتعددة والبلوش لطالما لم يجدو القوة الكافية للاستقلال التام.
المناطق العربية
تقسيم المناطق العربية على الطريقة الأفريقية سيكون مثالياً بغياب الهيمنة
الدينية الشاملة لمذهب دون آخر وبتفرق السيادة بين أسر ضعيفة متناحرة كما يحدث مع
العرب والأكراد والأرمن دائماً، أما الفرس فلم نعرف أنهم أقاموا امبراطورية كبيرة
داخل الإسلام وحتى فترات هيمنتهم أو نفوذهم داخل الدولة فلم تكن كافية لخلق
امبراطورية وبالتالي فسيكون الوضع عند مجئ الأوربيين مشتتاً الى حدٍ ما وجاهز
للتقسيم الدقيق، الأمر الذي عاد الأمريكان ليرونه كحل واقعي لتقليل المشاكل
الناجمة من المنطقة على رغم من كل العوائق التي تقف بوجه هذه الطريقة في التقسيم.
[1] الطبري، “فتح الباب 22 هـ”، تاريخ الأمم والملوك، مطبعة التراث، بيروت، ج4، ص159
[2] امبراطوريات الكلمة، نيقولاس أوستلر.