سار ابن فضلان مع مبلغ مالي ورسالة إلى إمارة البلغار على الفولكا (وهي تختلف عن بلغاريا وتقع ضمن حدود روسيا) ليلتقي بأميرها، وهم من الصقالبة (الشعوب السلافية) ويسلمه المبلغ الذي يمثل دعماً من الخليفة ضد مملكة الخزر التركية والتي تدين بالديانة اليهودية حيث كانت تهدد تلك الإمارة، وما لفت نظري في رحلته هو واقع الترك حتى عام 309 هجرية حيث لم يكونوا قد دخلوا الإسلام بعد. وهذا ثابت ومعروف لكن تعيين تلك المرحلة من قبل المؤرخين العرب لم يكن بذلك الوضوح.
ابن فضلان متكلماً عن الترك في أوزبكستان الحالية:
وسمعتهم يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله تقرّبا بهذا القول إلى من يجتاز بهم من المسلمين لا اعتقادا لذلك، وإذا ظلم أحد منهم أو جرى عليه أمر يكرهه رفع رأسه إلى السماء وقال: بير تنكري، وهو بالتركية الله الواحد لأن بير بالتركية واحد وتنكري: الله بلغة الترك. ولا يستنجون من غائط ولا بول ولا يغتسلون من جنابة ولا غير ذلك، وليس بينهم وبين الماء عمل خاصة في الشتاء، ولا يستتر نساؤهم من رجالهم ولا من غيرهم، كذلك لا تستر المرأة شيئا من بدنها عن أحد من الناس.
كان ذلك في 309 هجرية، ومن الواضح أن ترك ما وراء النهر (أوزبكستان فما فوق) لم يدخلوا الإسلام بعد، وكان آخر حاكم مسلم صادفه ابن فضلان هو محمد بن عراق وكان فارسياً وقد حذره من الدخول في طريق مليء بقبائل الكفار ويقصد الترك والتتار والصقالبة، وكانت آخر مدينة مسلمة مروا بها تدين بمذهب النواصب وتلعن علي بن أبي طالب مما يشير إلى أن آخر تحديث ديني كان قد وصلهم يعود إلى مئتي سنة للوراء في عهد الأمويين. ومن الواضح أن الأتراك عندئذ كانوا يدينون بالتنغرية.
في موضع آخر:
ولقد أصابنا في بعض الأيام برد شديد وكان تكين يسايرني وإلى جانبه رجل من الأتراك يكلمه بالتركية فضحك تكين وقال: إن هذا التركي يقول لك: أي شيء يريد ربنا منا هوذا يقتلنا بالبرد ولو علمنا ما يريد لرفعناه إليه؟ فقلت له: قل له يريد منكم أن تقولوا لا إله إلا الله فضحك وقال: لو علمنا لفعلنا.
وأيضاً:
وقال بعضهم وسمعني أقرا قرآنا فاستحسن القرآن وأقبل يقول للترجمان قل له: لا تسكت. وقال لي هذا الرجل يوما على لسان الترجمان: قل لهذا العربي: ألربنا عزّ وجلّ امرأة؟ فاستعظمت ذلك وسبّحت الله واستغفرته، فسبّح واستغفر كما فعلت، وكذلك رسم التركي كلّما سمع المسلم يسبّح ويهلّل قال مثله.
طبعاً هذا الكلام لا يشمل الذين أسلموا ودخلوا إلى قلب الصراعات السياسية في الشرق الأوسط والذين جاؤوا عن طريق أمهات الخلفاء من الجواري وعن طريق جيوش العبيد ومن دخلوا عن طريق تلك العلاقات غير أنهم لا يشكلون سوى فئات معينة أشبه بالصقالبة الذين جاؤوا عن هذه الطرق أو بالحكام الجورجيين والروم واليونانيين الذين كانوا ينالون المناصب في عهد الدولة العثمانية. أي أن هؤلاء الأتراك الذين نسمع بوجودهم مع الخليفة المعتصم وغيره كانوا يمثلون طبقة ولا يمثلون ما حدث لاحقاً من هجرة بشرية تركية استوطنت في العراق وايران والاناضول.
التصنيفات