يبدو من بدايات الغزوات المغولية وجود نمط من التسامح الديني، فرغم الفضائع التي ارتكبها المغول غير أن ما كانوا يقومون به لم يكن قائماً على أسس دينية بل على تعامل المدن معهم أو لأسباب أخرى. في حوار بين جنكيز خان كان يتعرف فيه عن الإسلام عبر مجموعة من مسلمي بخارى، استحسن جنكيز خان مجمل ما ذكره هؤلاء غير أنه لم يرحب بفكرة وجود مكة وكونها بيتاً لله يزار مرة في العمر لمن استطاع إليه سبيلاً.
ويذكر عباس العزاوي ما ورد من فضائل ملوك المغول على سبيل شمولية البحث. ومنها ان اوكتاي خان بن جنكيز خان قد فرض شريعة المغول في ذبح الحيوانات بأن يشق صدرها لا ان تذبح، فاخذ أحد المسلمين الشاة لداخل بيته وذبحها بالطريقة المتبعة عند المسلمين فداهم مغولي بيت المسلم ورأى الذبيحة وانطلق ليبلغ الحاكم. فامر اوكتاي خان بقتل المغولي قائلا ان المسلم لم يخالف القانون بذبحه للشاة في بيته مستترا وان المغولي قد انتهك حرمة بيت المسلم.
كما يذكر قصة اخرى عن رجل من غير المغول جاء لاوكتاي خان وقال له انه رأى اباه جنكيز خان في المنام يأمره بقتل جميع المسلمين. فسأله اوكتاي هل تتكلم المغولية؟ فقال لا، فامر بقتله قائلا انه كذاب وان اباه لم يكن يتكلم سوى المغولية فكيف فهمه.
طبعا فيما لو استثنينا سهولة اصدار احكام الاعدام والقتل بهذا الشكل ولو اعتبرنا تلك القصص فضائلا فهل نثني على المغول لان رأس السلطة كان متسامحا الى حد ما؟ المغول وفي بغداد وحدها وعلى اقل تقدير قتلوا ٨٠ الف نسمة، فليس من المهم ما هي قرارات الحاكم في الحياة اليومية وهو يتربع على عرش امبراطورية من الدم.
ورغم الخراب والقتل الذي لا يضاهى الذي احدثه المغول في ايران والعراق والشام الا ان هناك ميزات لطبيعة دولتهم في الشرق الاوسط ذكرها المؤرخون ولخصها عباس العزاوي ومنها:
- لديهم احترام للعلماء واصحاب الشأن في المجتمع واحترام للعلم وقد صرف هولاكو اموالا طائلا في دعم الكيميائيين والمنجمين في مرصد مراغة الذي كان يديره الخواجة نصير الدين الطوسي. واضيف ان ما لا يدركه المؤرخون هو ان العلوم في العالم الاسلامي لم تمت نتيجة للغزو المغولي بل لأنها وصلت طرقا مغلقة من حيث غاياتها ومن حيث ضعف وفقر المجتمع العلمي الذي أسسته ووسائل التواصل العلمي، اما الغايات ففي العلوم الرئيسية التي برع فيها علماء الحضارة الاسلامية كانت النهايات مسدودة. لا يمكن ان تصل لنتائج حول الواقع من خلال النجوم مطلقا حتى لو اتقنت الرياضيات والهندسة، كما لن يكون من الممكن ان تصنع الذهب مهما برعت في الكيمياء، والنهاية في طب ابن سينا كانت ربما أبكر من تاريخ الغزو المغولي.
- عدم اثقال الناس بأي نوع من الضرائب، حتى الاموال التي دفعت لإقامة الصلح مع المغول لم تتحول في اي مملكة الى مبلغ سنوي او شهري.
- اول مفهوم واضح للحرية الدينية وبشكل مطلق.
- محاسبة شديدة للفاسدين سواء من المغول او من ولاتهم الفرس والعرب، رغم ان طريقة المحاسبة والتحقيق كانت تتم بمحكمة عرفية سريعة يتم على أثرها اعدام المدان او التنكيل به واذلاله وفصله. وهذا النمط من العقوبات ما زال مستحسنا لدى شعوب المنطقة حتى يومنا هذا.
- الدراية الادارية المتمثلة بمواقف كثيرة أبرزها الابقاء على حكومة بغداد كما هي بعد اسقاط الخليفة.