ينقل عباس العزاوي بحيادية المواقف السياسية السيئة مع المغول والتي أودت بالخلافة العباسية إلى الهاوية. بداية العلاقة كانت برسائل من الخليفة الناصر لدين الله للمغول يحرضهم فيها على غزو الخوارزمشاهية الذين كانوا أقوى من العباسيين وكانوا يهددون بغزو بغداد وجعل الخليفة مثلما كان في عهد السلاجقة، وكان العباسيون حديثو عهد بالاستقلال والنفوذ بعد فترة طويلة من الخضوع للأتراك.
أعاد الخليفة المستعصم آخر الخلفاء العباسيين الكرة، وراسل هولاكو محرضاً إياه على غزو الإسماعيلية في ايران وقال له أنه سيرسل قواته إلى جانب قوات المغول ليقضوا عليهم. في هذا الوقت كان المغول يقدرون موضوع الخلافة ولم يكن في نيتهم اسقاط الخلافة بل التأكد من ولائها وعدم ضررها فقط بحسب وصية مانگو خان لأخيه هولاكو بترك الخلافة في بغداد إذا ما أطاع العباسيون المغول. وللمغول سوابق في ذلك، إذ كان لهم ولاة مسلمون في بلاد ما وراء النهر مثل محمود يالواجي.
تحقق طلب الخليفة ووصل المغول إلى إيران وبدأوا بحصار قلاع الإسماعيلية، وجاء وقت الطلب من الخليفة لإرسال المساعدة الرمزية في الحصارات التي أرهقت المغول وأزهقت الكثير من أرواحهم. وهنا بدأ دور المشورة السيئة للخليفة، فقالت الحاشية إن هولاكو يطلب المساندة لأنه يريد تفريغ بغداد من رجالها حتى يغزوها.
واستمرت السياسة السيئة والتي ترفضها أعراف المنطقة ودينها، فمثلاً كان رسل المغول إذا قدموا يصطف الناس خارج المدينة يسبونهم ويشتمونهم ويمزقون ملابسهم ويبصقون عليهم ويرمون عليهم الحجارة. وبعد رسالة عتاب للخليفة، رد الخليفة على هولاكو بقوله “أيها الطفل الذي لم يبلغ الحلم”. وتجدر الإشارة إلى بعد ابن العلقمي عن تلك المشورة السيئة والتي كان رائدها مجاهد الدين الدواتدار وهو تركي متنفذ في بغداد، فيما كان يلتزم ابن العلقمي بالجانب الصائب من المشورة وكان ذلك يعاب عليه ويهاجم بسببه وذلك لتشيعه. إحدى تلك الحالات والتي كانت ربما الضربة القاصمة، عندما طلب ابن العلقمي من الخليفة ارسال هدايا ذات قيمة لهولاكو (أشبه بالفدية) بغرض التزلف له، وكان للعباسيين كنوز لا تحصى جمعت عبر مئات السنين، غير أن الطرف الثاني من الحاشية رفض ذلك وطلب إعادة الهدايا القيمة كلها والإبقاء على أمور بسيطة تم اعتبارها لاحقاً كإهانة.
لم يكن هجوم المغول على بغداد هجوما خاطفا في فترة زمنية قصيرة ولم يكن العراقيون بهذا الضعف الذي نتصوره، طبعا بخلاف مواقع اخرى في التاريخ لا اتحرج من تسمية العراق باسمه في تلك الفترة لأنه في الحقبة العباسية الاخيرة كان العراق قريبا جدا من شكله الحالي تحت حكومة واحدة.
المهم، هزم العراقيون المغول في سامراء قبل بضعة سنوات من سقوط بغداد وواجهوهم قرب خانقين وانهزموا امامهم لكن بعد خسائر فادحة في المغول لم تمكنهم من الاستمرار. وانتصر العراقيون على مشارف بغداد قبل ١٣ سنة من سقوطها وكان تنظيم الجيش وتسليحه جيدا جدا وصدم المغول بعدم نشوب الرعب في صفوف قوات بغداد وبعد ايام من القتال والهجمات المغولية انسحب المغول.
المجزرة
استمرت المجزرة في بغداد ١١ يوما تقريبا وقد أسلف عباس العزاوي ان هناك بعض المبالغات حولها.
من معالم بغداد التي تم هدمها اثر الغزو المغولي:
- برج العجمي: أحد أطول الأبراج الملحقة بسور بغداد وقد تم هدمه بالمجانيق حال دخول بغداد وتوجد فيه زاوية وتكية.
- مراقد الخلفاء العباسيين: كان هناك أبنية لمراقد الخلفاء العباسيين وقد تم هدمها جميعاً ولا تُعرف مواقعها بالضبط حالياً.
- مرقد الإمام محمد الجواد: ويقع في نفس موقعه الحالي ورغم بعده عن بغداد القديمة (الرصافة) نسبياً فقد تم هدمه أيضاً كما تم احراق الكاظمية.
- جامع الخلفاء: وأعيد بناؤه على يد قازان حفيد هولاكو بعدما دخل في الاسلام بعد حوالي 30 سنة من سقوط بغداد والحالي يفترض أن يكون بنفس البناء العائد لتلك الفترة مع ترميمات كثيرة وتحديثات لم يبق منها سوى المنارة.
وتجدر الإشارة الى ملاحظة هامة لاحظتها عبر قرائتي في العراق بين احتلالين، حيث أن وفيات الاعلام والشخصيات في كل سنة هي جزء مهم الكتاب لاسيما في المجلدات الأولى، رغم عدم اهمية معظم هؤلاء الاشخاص سواء في العراق او العالم ونحن ننظر لهم الان، شعراء ومشايخ طرق وفقهاء وشخصيات حكومية هزيلة. لكن المثير للاهتمام ان قائمة وفيات سنة ٦٥٦ هجرية وهي سنة سقوط بغداد لم تكن تضم سوى ٦ اشخاص وهو عدد لا يختلف عن اي سنة اخرى يزيد او ينقص وهذا قد ان يكون دليلا اضافيا في التقليل من حجم المجزرة التي حدثت أثر مجيء المغول. نعم بعض هؤلاء ماتوا قتلا، لكن تخيل الابادة يجعلنا نفكر بما هو أكبر. وربما يعد تضخيم فاجعة المغول واختزال القصة باصدار مشوه بسيط له اغراض عديدة لكن أبرزها برأيي هو جعلها شماعة للركود الفكري الشامل في الحضارة الاسلامية.
بداية الحكم المغولي لبغداد
أمر هولاكو بعد المجزرة التي دامت أحد عشر يوماً بإعادة تنصيب الحكومة التي كانت موجودة في عهد الخليفة المستعصم كما هي. ابن العلقمي يبقى وزيراً، وصاحب الديوان يبقى كما هو، والولاة على المناطق التابعة لبغداد آنذاك (الحلة، الكوفة، الدجيل، الخالص وطريق خراسان) ونائب الوزير وقاضي القضاة كلهم كما هم. وأرسلت قوة من 3000 آلاف من المغول كمشروع لإعادة الإعمار. سك دينار هولاكو الاول في بغداد عام ١٢٥٩م وكان شطر الاية القرآنية (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء) مكتوباً عليها.
الأيام الأخيرة للخليفة المستعصم بالله
بخلاف اجداده في العصر العباسي الأخير لم يكن الخليفة المستعصم رجلا رشيداً، كان مهتماً بملذاته حتى احصي له اكثر من 700 جارية، وعندما أمره هولاكو بالخروج من بغداد طالباً منه أن يأخذ أهله معه فقد أخذ معه 100 جارية. وكان له من الكنوز الكثيرة مما اكتنز اجداده لكنه لم يفتد بها ولم ينتفع منها.