لطالما لم اصدق ما يقال أن العربية لها 12 مليون كلمة مقابل 600 الف كلمة للانجليزية، ما هي الكلمة أساساً؟ هل نحسب لعب ويلعب ككلمتين منفصلتين؟ أم نحسب عدد جذور الأفعال؟ وللانجليزية هل تكون play و plays كلمتين منفصلتين؟ عموماً هذا الرابط من ويكيبيديا يذكر وجود 120 الف كلمة بكتاب تاج العروس في جواهر القاموس الذي يوصف بأنه أضخم معجم عربي. لكن لن نجد العربية في هذه القائمة في طليعة اللغات بعدد الكلمات رغم أن تاج العروس يذكر أفعالاً ومشتقات عديدة للمصادر.
ثم هل يعتبر عدد الكلمات مفخرة من الأساس؟ في أحيان كثيرة يشير عدد الكلمات إلى ما تراكم من الكلمات وما تم تدوينه من كلمات في تاريخ لغة معينة، لكنه لا يشير بأي شكل من الأشكال الى واقع استخدام اللغة سواء الأدبي أو الديني أو الاستخدام في الحياة العامة. قواميس اللغات الايرانية تحفل بالتقاطعات بالكلمات بين اللغات الايرانية المختلفة وبالكلمات القديمة والكلمات ذات الاصول العربية والتركية لكن يبقى جزء قليل منها هو المستخدم مهما كانت بلاغة المستخدم. ونفس الشيء لدى العرب، فما هو مستخدم في الحياة اليومية لا يمثله سوى معجم بسيط جداً مثله مثل أي لغة أخرى وبشكل يتلائم مع احتياجات الناس في الحياة اليومية، وأيضاً للاستخدام الرسمي هناك حدود معينة وللاستخدام الأدبي كذلك.
تهمل النظرة الى اللغات بمحتواها المعجمي واقع ديناميكية اللغة وتغيرها، وتنظر لها على أنها صندوق للمصوغات أو ألبوم للطوابع النادرة. لكن في الواقع ان فترة تدوين لغاتنا هي التي تصنع لنا هذا الالبوم الحافل من المفردات، ولو لم تدون اللغة لخفيت علينا اصدارات عديدة أخرى من اللغة نفسها. هل كان هناك معاجم حفظت لنا ألسن العرب في الجاهلية مثلاً؟ نعم استطعنا ان نصل الى كثير من المفردات عبر الشعر العربي الذي وصل الينا، لكننا صدمنا بواقع آخر في ديناميكية اللغة، وهو كثرة الاستعارة من اللغات السامية الاخرى والتي قد لا تكون استعارة بل قرب من الأصل السامي المشترك في بعض الأحيان.
إذاً مرة أخرى، هل ننقد العربية لأنها لا تتصدر هذه القائمة في ويكيبيديا؟ وهل نمتدح الكورية؟ كلا بالتأكيد، فاللغة المستخدمة محاطة بجدران بيولوجيا الانسان ذاته وجهازه العصبي والتي لا تختلف كثيراً بين اجناس البشر. أما تحديد المعيار الحقيقي لغنى وفقر اللغة فهو حقل شديد التعقيد يمكن فهمه من الاطلاع على مجال دلالات الالفاظ المعجمية (lexical semantics) التي تناقش الغنى والفقر على مستوى المجال، مثلاً مجال الماء والحركة المائية، مجال السقوط، مجال الطيران، مجال تناول الطعام.. وهكذا. هذا الأمر لا يُمكن دراسته بطريقة شاملة الا حاسوبياً، وهو ليس بالأمر السهل. لا تتوقع أن تضم لغة ما أوصافاً للغابات ومتحدثو هذه اللغة يعيشون في الصحراء، كما لا يُمكن أن نتوقع أن تضم لغة أفعالاً لحركات الآلات في وقت لا توجد فيه آلات كافية، هذا هو المحدد الآخر لغنى اللغات بالكلمات بعد محدد العقل البشري والاستيعاب والحاجة اليومية وواقع الفارق بين صندوق النوادر المعجمي وصندوق الاستخدام الفعلي باللهجات وفوارق أزمان التدوين بين اللغات.
يُمكنك أن تكذب الخبر الذي يتكلم عن 12 مليون كلمة للعربية بسهولة في المرة القادمة التي تراه فيها.
رابط عدد الكلمات في قواميس بعض اللغات بويكيبيديا والذي لا نعتد به من الأساس:
https://en.wikipedia.org/wiki/List_of_dictionaries_by_number_of_words