لم استطع إكمال كتاب عبد الرحمن السويدي حديقة الزوراء رغم كونه واحد من الكتب القليلة التي كتبت في العراق في القرن الثامن عشر (بل وربما مما يعد على أصابع اليد). فالمعلومات التي فيه مشوشة والاطناب الكبير لرعاة الشيخ جعلني أعود لحقبة صدام حسين، لاسيما خديجة خاتون التي أوصته أن يكتب الكتاب تمجيداً لخالها أحمد باشا وجدها حسن باشا واللذان يتفق كثيرون أنهما قد يكونان أفضل الذين حكموا العراق في الفترة العثمانية بعد مدحت باشا رغم مساوءهما. لكن وبعد سنتين من انهاء ملاحظاتي الجزئية عدت لاستخلص ما يمكن استخلاصه من الكتاب، وهو نظرة أهل المدن للعشائر في الفترة العثمانية، وأن نأخذ من عبد الرحمن السويدي مثالاً كشخص له دور كبير ليس في تمثيل الرأي العام في حينها فحسب بل بتوجيهه، فهو رجل دين بارز تولى التدريس في جامع ابي حنيفة وفي المدرسة المرجانية وهو مقرب من السلطة أيضاً.
نقرأ لدى نيبور وغيره أن أهل بغداد كانوا ينشدون في المقاهي قصائد تمجد فعلة سليمان باشا حيث غدر بمجموعة من شيوخ العشائر، في حين أن العرب في البادية كانوا يذكرون ذلك كنقيصة كبرى، مما يدل على التنافر والعداء الشديد بين هاتين الفئتين من مكونات العراق. ونقرأ أيضا لدى عباس العزاوي تسلسل الأحداث في كل غزوة يقوم بها أحد الولاة والتي تمتد بفعاليات عسكرية استعراضية (وأحياناً دون ذلك لأغراض المباغتة) وتنتهي بأمر مهم، وهو عملية تحويل الغنيمة إلى نقد (كاش)، لخزنها أو توزيعها أو ارسالها الى إسطنبول، ويتمثل ذلك ببيع الأغنام أو الابل التي غنمت داخل بغداد وفي بعض الأحيان مع فرض سعر محدد لها.
كيف يشعر البغدادي أمام ذلك؟ مالياً الأمر مربح ففي معظم الأحيان سيتوفر اللحم بسعر رخيص وهو ثمرة جهود قبيلة كبيرة رعت تلك الأنعام لزمن كبير. ولكن من جهة أخرى فإن في الأمر جانب من العدالة، حيث ينال البغدادي أخيراً حقه مقابل كل الضرائب التي كان يدفعها للعشائر كلما أراد أن يتجه جنوباً وشمالاً أحياناً. أو مقابل الأحداث التي لا ينساها الناس بسهولة حيث تنحر العشائر الحجاج أو تسلبهم حتى ملابسهم وتتركهم ليموتوا في الصحراء وكذلك تفعل مع الرحلات التجارية. يأتي هنا عبد الرحمن السويدي ليجسد تلك المشاعر بلغة جيدة ولعل اللغة العربية التقليدية الطراز (لم تكن العربية الفصحى الحديثة قد نشأت بعد) هي افضل ما يمكن الحصول عليه منه.
لغة عبد الرحمن السويدي في وصفه للعشائر تدل على حنق شديد وتكاد تخلو من أي صفات إيجابية، وهم بالنسبة له كرجل دين أقرب الى الكفار فيحل غزوهم دائماً ويحل نهبهم وسبي نساءهم لكن كرم الباشا وعطفه هو الذي يحول دون الإبقاء على نساءهم سبايا. وليس لدى عبد الرحمن السويدي انحياز بالمقابل تجاه الاكراد حتى أنه ساند بلباس في احدى غزوات الباشا عليهم قائلاً بأنهم متدينون وطلبة علم ولم يفعلوا شيئاً لكن خيار الباشا وحكمته اقتضيتا ذلك.
من الأمثلة على وصف العشائر:
“يأكلون الزروع، ويخربون الربوع، ويقطعون الجادة، ويصلون الفساد بالفساد على العادة، وأما الرعية فلا تسلم من شرهم، ولم تأمن من مكرهم وغدرهم، حتى يؤاخوا أكثرهم، ويسلموا من عجزهم وبجرهم، فيعطون الجزية عن يد وهم صاغرون، فيأكلون من تحت أيديهم مما يسمحون بإسدائه إليهم، فكأنهم لعنهم الله أرباب المال، وكأن أصحابه خدام في أشر حال”.
نلاحظ أيضاً أن عبد الرحمن السويدي لا يمانع من لعنهم واللعن لديه يدخل بالمفهوم الديني حيث لا يصح إلا على الكفار.
كجزء اخر رأيته مفيداً في الكتاب فصلت جميع المعارك ووضعتها بخارطة مع بعض التفاصيل عنها والتي تعكس مواقع قوة العشائر على الخارطة (رابط الخارطة في جوجل):